باب قول الله تعالى {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}
بطاقات دعوية
عن ابن عباس رضي الله عنهما: {ولكل جعلنا موالي}؛ قال: ورثة، {والذين عقدت أيمانكم}؛ قال: كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري، دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فلما نزلت: {ولكل جعلنا موالي}؛ نسخت (2)، ثم قال: {والذين عقدت أيمانكم} إلا (وفي رواية: من 5/ 179) النصر (3)، والرفادة (*)، والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصى له
لَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ، وتَوافَدَ عليها المُهاجِرون تِباعًا، كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤاخِي بيْن المُهاجرينَ والأنصارِ، فكان الرَّجلُ مِنَ الأنصارِ يَجعَلُ المُهاجريَّ شَريكًا له في مالِه ودارِه وغيرِ ذلك، وكان إذا ماتَ يَرِثُه هذا المهاجِرُ دُونَ أهلِه مِن ذَوِي رَحِمِه؛
بسَببِ الأُخوَّةِ التي آخاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنهما، وهذا مَعنى قولِه تعالَى: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)، و(عَاقَدَتْ) بالألِفِ هي قِراءةُ سَبعيَّةٌ مُتواتِرةٌ، أي: عاقَدَت ذَوو أيمانِكم ذَوي أيمانِهم، وفي قَراءةٍ: {عَقَدَتْ} بغَيرِ ألِفٍ، أي: عقَدَت أيمانُكم عُهودَهم. فكان الرَّجلُ يُعاقِدُ الرَّجلَ فيَقولُ: دَمِي دَمُك، وثَأْري ثَأرُك، وحَرْبي حَرْبُك، وسِلْمي سِلْمُك، وتُرِثُني وأَرِثُك، فلمَّا نَزَلَ قولُه تعالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} -أي: جَعَل اللهُ تعالَى لكلِّ واحدٍ منكم أيُّها النَّاسُ عَصَبةً، كإخوتِه وبَني عمِّه، يَرِثونه ممَّا وَرِثه هو مِن أبيه وأُمِّه، وسائرِ قَرابتِه- نَسَخَتْ قولَه تعالَى: (والَّذينَ عَاقَدَتْ)، فصارَ الإرثُ لِمُستحقِّه مِن أهلِ الميِّتِ، ونُسِخَ المِيراثُ بيْن المُتعاقِدِينَ وبقِيَ النُّصرةُ في الحقِّ، والرِّفادةُ، وهي المُعاوَنةُ على شُؤونِ الحياةِ، والنَّصِيحةُ في دِينِ اللهِ بالحقِّ، وهذا يَشمَلُ التَّعاوُنَ على الحقِّ، والنُّصرةَ على الأخْذِ على يَدِ الظَّالمِ الباغي، وهذه الأمورُ مِن الحُقوقِ العامَّةِ بيْن المسلمينَ، وبَقيَ أيضًا جَوازُ الوصيَّةِ لمَن كان يَرِثُه بالأُخوَّةِ الإسلاميَّةِ إذا شاء المُورِّثُ، أمَّا المِيراثُ بعْدَ المَوتِ فيَأخُذُه مُستحِقُّه مِن القَراباتِ، كما في كِتابِ اللهِ تعالَى.