باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

باب كفارة من أتى أهله فى رمضان

حدثنا سليمان بن داود المهرى أخبرنا ابن وهب أخبرنى عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة زوج النبى -صلى الله عليه وسلم- تقول أتى رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- فى المسجد فى رمضان فقال يا رسول الله احترقت. فسأله النبى -صلى الله عليه وسلم- ما شأنه قال أصبت أهلى.
قال « تصدق ». قال والله ما لى شىء ولا أقدر عليه. قال « اجلس ». فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أين المحترق آنفا ».
فقام الرجل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « تصدق بهذا ». فقال يا رسول الله أعلى غيرنا فوالله إنا لجياع ما لنا شىء. قال « كلوه ».

رمضان شهر كريم، وصيامه فرض على العاقل البالغ القادر، وللفطر العمد فيه أحكام، وفي هذا الحديث بيان للكفارة لمن جامع أهله في نهار رمضان، فيروي أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هلكت!» أي: فعلت ما هو سبب لهلاكي، فسأله صلى الله عليه وسلم: «ما شأنك؟» فأخبر أنه جامع امرأته في نهار رمضان، فسأله صلى الله عليه وسلم عن استطاعته أن يعتق رقبة، ويراد بها العبد المملوك أو الأمة، فقال: لا أستطيع، فسأله صلى الله عليه وسلم عن استطاعته أن يصوم شهرين متتابعين، لا يفصل بين الشهرين بأيام فطر لغير عذر، فقال: لا أستطيع، فسأله صلى الله عليه وسلم عن استطاعته أن يطعم ستين مسكينا، قال: لا، فأوضح الرجل أنه فقير وعاجز عن أداء أي من أنواع الكفارات الثلاثة
فقال صلى الله عليه وسلم له: «اجلس»، وإنما أمره بالجلوس لانتظار الوحي في حقه، وقيل: أو عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به، فانتظر الرجل حتى أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، والعرق: المكتل أو الوعاء الضخم يسع خمسة عشر صاعا، والصاع يساوي بالجرام (2036) في أقل تقدير، وفي أعلى تقدير يساوي (4288) جراما، فقال صلى الله عليه وسلم له: «خذ هذا» العرق بتمره «فتصدق به» على الفقراء والمحتاجين، فقال الرجل: «أعلى أفقر منا؟!» أي: أتصدق به على شخص أفقر منا؟! كأنه قال: ليس هناك في المدينة من هو أفقر من أهل بيتي، فأنا أولى بهذه الصدقة من غيري، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظهرت «نواجذه» وهي آخر الأسنان أو هي الأضراس؛ تعجبا من حاله؛ حيث إنه جاءه خائفا على نفسه راغبا في فدائها، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه من الكفارة! وقيل: ضحك من حسن بيان المتكلم وتلطفه في الخطاب وتوسله في التوصل إلى مقصده. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أطعمه عيالك»
وفي الحديث: أن كفارة الجماع في نهار رمضان مرتبة إعتاقا، ثم صوما، ثم إطعاما
وفيه: إعانة المعسر في الكفارة
وفيه: مشروعية المبالغة في الضحك عند التعجب
وفيه: استعمال الكناية فيما يستقبح ظهوره بصريح لفظه
وفيه: الرفق بالمتعلم، والتلطف في التعليم، والتأليف على الدين
وفيه: الندم على المعصية، واستشعار الخوف