باب ما جاء في التسعير
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا الحجاج بن منهال قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، وثابت، وحميد، عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا، فقال «إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال»: هذا حديث حسن صحيح
في هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه: "غَلا السِّعرُ"، أي: ارتفعَتْ أسعارُ السِّلعِ وقيمتُها عندَ أصحابِها، "على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقالوا"، أي: الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم: "يا رسولَ الله، سَعِّرْ لنا"، أي: طلبوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنْ يأمُرَ التُّجَّارَ وأهلَ السُّوقِ بسعرٍ مسمًّى لا يُزادُ عليه ولا يُنقَصُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ هو المُسعِّرُ"، أي: إنَّ الغلاءَ والرُّخْصَ هو أمرٌ بيدِ الله تعالى، "القابضُ"، أي: المُمسِكُ للرِّزقِ، "الباسطُ"، أي: الموسِّعُ له، "الرَّزَّاقُ"، أي: الَّذي بيدِه رِزقُ العبادِ، "وإنِّي لَأرجو أن ألقى ربِّي وليس أحدٌ منكم يَطلُبُني بمَظْلِمَةٍ"، أي: تكونُ له مَظْلِمَةٌ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يسأَلُه بها اللهَ يومَ القيامةِ، "في دَمٍ ولا مالٍ"، أي: إنَّ المانعَ لي مِن التَّسعيرِ مَخافةُ أن يَظلِمَ النَّاسَ في أموالِهم؛ قيل: وفي التَّسعيرِ مفاسِدُ؛ منها: تحريكُ الرَّغباتِ والحملُ على الامتناعِ مِن البيعِ، وكثيرًا ما يُؤدِّي إلى القَحْطِ، وذلك إذا تضمَّن ظُلمَ التُّجَّارِ والبائِعين وإكراهَهم بغيرِ حقٍّ على البيعِ بثمَنٍ لا يَرْضَونه، أو مَنْعَهم ممَّا أباح اللهُ لهم، وقد ذَهبَ بعضُ العُلماءِ إلى إباحةِ التَّسعيرِ عندَ الضَّرورةِ أو الحاجةِ، بشَرْطِ أنْ يتَضمَّن العدلَ بينَ النَّاسِ، مِثلَ إكراهِهم على ما يَجِبُ عليهم مِن المعاوَضةِ والبيعِ بثَمَنِ المِثلِ، ومَنْعِهم ممَّا يَحرُمُ عليهم مِن أخذِ الزِّيادةِ على عِوَضٍ وثمَنِ المثلِ فهو مُباحٌ، وربَّما يتحوَّلُ إلى واجبٍ على الإمامِ على أن يَكونَ التَّسعيرُ إلزامًا بالعَدلِ في البيعِ والشِّراءِ، وليس إكراهًا على البيعِ بأقلَّ مِنه.