باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يعلى بن عطاء قال: حدثنا جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه، فقال: «علي بهما»، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: «ما منعكما أن تصليا معنا»، فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: «فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة»، وفي الباب عن محجن، ويزيد بن عامر،: «حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح» وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: إذا صلى الرجل وحده ثم أدرك الجماعة فإنه يعيد الصلوات كلها في الجماعة، وإذا صلى الرجل المغرب وحده ثم أدرك الجماعة، قالوا: فإنه يصليها معهم ويشفع بركعة، والتي صلى وحده هي المكتوبة عندهم
في هذا الحديثِ يُخبِرُ يَزيدَ بنَ الأسوَدِ العامريَّ رَضِي اللهُ عَنْه: "صلَّى معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: صلاةَ جَماعةٍ، "وهُو غُلامٌ شابٌّ"، وهذا كِنايةٌ عن صِغَرِ سنِّه آنَذاك، "فلمَّا صلَّى"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم وأصحابُه الَّذين معَه، "إذا رَجُلانِ لَم يُصلِّيا في ناحيَةِ المسجدِ"، أي: لم يُصلِّيا معَ الجَماعَةِ، بَعيدَيْنِ عَن مُصلَّى الجَماعةِ، "فدَعا بهما"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم طلَبَهما، "فجِيءَ بهما تُرعَدُ فَرائِصُهما"، أي: تَفْزَعُ وتَرتجِفُ، وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ خوفِهما، والفَريصَةُ: اللَّحْمةُ الَّتي بين الجَنبِ والكَتِفِ؛ فقال لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "ما منَعَكما أن تُصَلِّيا معَنا؟"، أي: تَلحَقا بالجماعةِ، "قالَا: قد صَلَّينا في رِحَالِنا"، أي: في مَنازِلِنا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "لا تَفعَلوا"، أي: مَرَّةً أخرى، "إذا صلَّى أحَدُكم في رَحْلِه"، أي: في مَنزِلِه، وهذا إشارةٌ إلى أنَّه يُريدُ صَلاةَ الفَريضةِ، "ثمَّ أدرَكَ الإمامَ ولم يُصلِّ"، أي: أدرَكَ الجماعةَ في الصَّلاةِ الَّتي كان صَلَّاها في مَنزِله، "فَلْيُصَلِّ معَه"، أي: فليُصلِّ ويُلْحِقْ نفسَه بالجَماعةِ؛ "فإنَّها له نافلةٌ"، أي: إنَّ ما صَلَّاه معَ الجماعَةِ يَكونُ في حُكمِ النَّافلةِ؛ وذلك لكيلَا يُساءَ به الظنُّ، أو لكيلَا تحَدُثَ فِتنةٌ.
وفي الحديثِ: حثُّ مَن حضَر جماعةً تُصلِّي وكان قد صلَّى على الصَّلاةِ معَها.