باب ما جاء في الشقاء والسعادة1
سنن الترمذى
حدثنا بندار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث، عن أبيه، قال: قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع أو مبتدأ أو فيما قد فرغ منه؟ فقال: «فيما قد فرغ منه يا ابن الخطاب وكل ميسر، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء»: وفي الباب عن علي، وحذيفة بن أسيد، وأنس، وعمران بن حصين وهذا حديث حسن صحيح
____________________________________
إنَّ اللهَ هو الحكَمُ العدْلُ، والقدَرُ سِرٌّ مِن أسرارِه، وقد قَضى اللهُ لأهلِ الجنَّةِ بالجنَّةِ، ولأهلِ النَّارِ بالنَّارِ، وكلٌّ ميسَّرٌ لِما خُلِق له؛ فَلْيعمَلِ النَّاسُ بما أمَرَهم اللهُ به، وَلْيستَعينوا به؛ لِيَصِلوا إلى ما فيه خيرُهم في الدُّنيا والآخِرَةِ.
في هذا الحديثِ يَحكي عُمرُ رَضِي اللهُ عَنه أنَّه قال: "يا رسولَ اللهِ، أرأَيتَ ما نَعمَلُ فيه"، أي: أخبِرْني وأَعلِمْني عن هذه الأعمالِ الَّتي نَعمَلُها؛ "أمرٌ مبتدَعٌ"، أي: هل هي أمرٌ جَديدٌ، ولم يَسبِقْ به تقديرٌ مِن اللهِ "أو"، شكٌّ مِن الرَّاوي "مبتدَأٌ" بمعنى مُبتدَعٍ، "أو فيما قد فُرِغ منه"، أي: إنَّ اللهَ قد عَلِمه وكتَبه وقدَّره علَينا؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فيما قد فُرِغ منه يا ابنَ الخَطَّابِ"، أي: إنَّ الَّذي يَعمَلُه النَّاسُ اليومَ مكتوبٌ، ومقدَّرٌ عليهم، "وكلٌّ مُيسَّرٌ"، أي: يُوفَّقُ ويُهيَّأُ لِمَا قُدِّر وكُتِب له، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أمَّا مَن كان مِن أهلِ السَّعادةِ"، أي: خُلِق وقُدِّر له أن يَكونَ ممَّن رَضِي اللهُ عَنهم، وأدخَلَهم في رَحمتِه؛ "فإنَّه يَعمَلُ للسَّعادةِ"، أي: يَعمَلُ مِن الطَّاعاتِ ويَجتَنِبُ المنهيَّاتِ حتَّى يُدخِلَه اللهُ الجنَّةَ فيَكونُ مِن السُّعَداءِ، "وأمَّا مَن كان مِن أهلِ الشَّقاءِ"، أي: كان مِن الَّذين كُتِب عليهم الشَّقاوةُ بأن كفَر باللهِ أو عَصاه "فإنَّه يَعمَلُ للشَّقاءِ"، أي: فإنَّه يَعمَلُ مِن المعاصي ويَبتَعِدُ عن الطَّاعاتِ؛ ممَّا يَجعَلُ اللهَ يَغضَبُ عليه ويُدخِلُه النَّارَ، فيَكونُ مِن الأشقياءِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على العمَلِ وعدَمِ التَّعلُّلِ بالقدَرِ مع الإيمانِ الكاملِ به.