باب ما جاء في صفة النار
سنن الترمذى
حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة، بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصورين " وفي الباب عن أبي سعيد: «هذا حديث حسن صحيح غريب» وقد رواه بعضهم عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وروى أشعث بن سوار، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُرغِّبُ الصَّحابةَ فيما عِندَ اللهِ مِن الخيرِ والثَّوابِ، وأيضًا يُخوِّفُهم ممَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ، ويَذكُرُ لهم النَّارَ وما فيها مِن عذابٍ أليمٍ؛ ليَجتنبِوا أسبابَ الوقوعِ فيها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَخرُجُ عُنقٌ مِن النَّارِ"، أي: شيءٌ يُشبِهُ الرَّقبةَ في هَيئتِها يَخرُج مِن النَّارِ، أو تَخرُجُ قِطعةٌ مِنَ النَّارِ على هَيئةِ الرَّقبةِ الطَّويلةِ؛ وذلك "يومَ القيامةِ" يومَ الحسابِ والجَزاءِ، وتكونُ "لها"، أي: لهذا العُنقِ "عَينانِ تُبصِران، وأُذنانِ تَسمَعانِ، ولسانٌ يَنطِقُ"، أي: يَخلُقُ اللهُ لها عَينَين تَرى بهِما، وأُذنَين تَسمَعُ بهِما، ولسانًا تتَكلَّمُ وتُفصِحُ به، تقول: "إنِّي وُكِّلتُ"، أي: أمَرني اللهُ سبحانه وتعالى "بثلاثةٍ"، أي: بثلاثةِ أصنافٍ مِن النَّاسِ أدخَلَهم في جَهنَّمَ: "بكلِّ جبَّارٍ عنيدٍ"، أي: بكلِّ إنسانٍ ظالمٍ، عارفٍ بالحقِّ، ولكنَّه جحَده، وتكَبَّر وعانَد، والثَّاني: "وبكلِّ مَن دعا"، أي: عبدٍ، وأشرَك "مع اللهِ إلهًا آخَرَ"، أي: جعَل للهِ سُبحانه وتعالى نِدًّا، والثَّالثُ: "وبالمصوِّرين"، وهم النَّحَّاتون الَّذين يَصنَعون ويَنحِتون التَّماثيلَ الَّتي تُضاهي خَلْقَ اللهِ تعالى، وقيل: هم مَن يَصنَعون الأصنامَ للعِبادةِ.
وفي الحديثِ: تَهديدٌ ووعيدٌ لكلِّ مَن تَكبَّر وتجَبَّر وعانَد، ولِمَن دعَا غيرَ اللهِ تعالى، ولِمَن صَوَّرَ وضاهَى خلْقَ اللهِ سبحانَه.