باب ما جاء في وفاء النذر
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، قال: «أوف بنذرك» وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وابن عباس: حديث عمر حديث حسن صحيح. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، قالوا: إذا أسلم الرجل وعليه نذر طاعة فليف به، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: لا اعتكاف إلا بصوم. وقال آخرون من أهل العلم: ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب على نفسه صوما، واحتجوا بحديث عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء، وهو قول أحمد، وإسحاق
النَّذْرُ عِبادةٌ وقُربةٌ لا تَنْبغي لأحَدٍ إلَّا للهِ تعالَى، وقدْ مدَحَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ العزيزِ عِبادَه الأبْرارَ، ووَعَدَهم الأجْرَ والمَثوبةَ، وذكَرَ مِن صِفاتِهم الوَفاءَ بالنَّذرِ فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7].
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه أخبَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه نَذَرَ نَذْرًا في الجاهليَّةِ -وهي ما قبْلَ الإسلامِ- أنْ يَعتكِفَ لَيلةً في المسجدِ الحرامِ -والاعتكاف: الإقامةُ في المسجِدِ بِنِيَّةِ التقرُّبِ إلى الله عَزَّ وجلَّ، ليلًا كان أو نهارًا- فأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالوَفاءِ بنَذْرِه، فاعتكَفَ عمرُ رَضيَ اللهُ عنه لَيلةً؛ وَفاءً بنَذْرِه.
وإنَّما أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُمَرَ بالوَفاءِ في الإسلامِ بنَذْرٍ كان نَذَرَه في الجاهليَّةِ؛ لأنَّه بِرٌّ ومَشروعٌ في الإسلامِ، ولا يَتعارَضُ معه، أمَّا إذا كان مُتعارِضًا مع الإسلامِ فإنَّه لا يُوفَى به.
وفي الحديثِ: الاعتِكافُ لَيلًا مِن غيرِ صَومٍ.