باب ما عوذ به النبي ﷺ وما عوذ به4
سنن ابن ماجه
حدثنا بشر بن هلال الصواف، حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز ابن صهيب، عن أبي نضرة
عن أبي سعيد: أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، اشتكيت؟ قال: "نعم" قال: "باسم الله أرقيك، من كل شيءيؤذيك، من شر كل نفس أو عين أو حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك (1)
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -مع عِظَمِ قَدرِه وعُلوِّ مَنزلتِه عندَ ربِّه- بَشَرٌ مِن البشَرِ، يُصيبُه ما يُصيبُ البَشَرَ مِن المرَضِ والهمِّ والحزنِ، ولكنَّ اللهَ سُبحانه رَحيمٌ بنَبيِّه، وجعَلَ لنا في كلِّ الأحوالِ النَّبويَّةِ سُننًا وتَشريعاتٍ فيها الرَّحمةُ والشِّفاءُ، وفيها تَعليمٌ لنا بحُسنِ التَّعبُّدِ للهِ سُبحانه وحُسنِ التَّوجُّهِ واللُّجوءِ إليه لِفَكِّ الكُربِ وشِفاءِ الأمراضِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ -وهو الملَكُ الموكَّلُ بالوحْيِ- جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للزِّيارةِ أو للعِيادةِ، فسَألَه: «يا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟» أي: مِن المرَضِ؟ فأجابَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «نَعَمْ»، فقال جِبريلُ: «بِاسْمِ الله» فبدأ بِالتَّسْمِيَةِ في أَوَّلِ الدُّعاء «أَرْقِيكَ» مأخوذٌ مِن الرُّقْيَةِ، أي: أُعوِّذُك، «مِن كلِّ شيءٍ يُؤذِيكَ» فهذا جامع لكل أنواع الأذى صغير أو كبير، «مِن شرِّ كلِّ نَفْسٍ»، أي: خَبِيثَةٍ، «أو عَيْنِ حاسِدٍ» والحَسَدُ: هو أنْ يرَى أحدُهم النِّعمةَ في غَيرِه فيَتَمنَّاها لنَفسِه، ويَتَمنَّى زَوالَها عن صاحِبِها، فاسمُ اللهِ يَقِيكَ ويَحفَظُكَ مِن كلِّ صاحِبِ عَيْنٍ حاسدة يُصيبُ بها ما عِنْدَ غيرِهِ مِنَ النِّعَم، والعينُ والحسَدُ يُؤثِّرانِ في المحسودِ ضَررًا يقَعُ به إمَّا في جِسمِه بمَرضٍ أو في مالِه، وذلك بإذنِ اللهِ تَعالَى ومَشيئتِه، كما قدْ أجْرى سُبحانه عادتَه وحقَّقَ إرادتَه فرَبَطَ الأسبابَ بالمسبِّباتِ، وأجْرَى بذلك العاداتِ، ثمَّ أمَرَنا بدَفعِ ذلك بالالتجاءِ إليه والدُّعاءِ، له وأحالَنا على الاستعانةِ بالرُّقى.
«اللهُ يَشفِيكَ» فاسمُ اللهِ يَشْفِيكَ ببَركتِه مِن كلِّ الأمراضِ ويُعافِيكَ مِن كلِّ الآلامِ؛ لأنَّ اسمَ اللهِ يُتبرَّكُ به كما أنَّه يُتبرَّكُ بذاتِه.
«بِاسْمِ الله أَرقِيكَ» كرَّره للمُبالَغَةِ، وبَدَأ به وختَم به إشارةً إلى أنَّه لا نَافِعَ إلَّا هو سُبحانه.
وفي الحديثِ: الإخبارُ بالمَرضِ على طَريقِ بيانِ الواقعِ مِن غيرِ تَضجُّرٍ ولا تَبرُّمٍ.
وفيه: بيانُ التَّداوِي بالرُّقَى الشرعيَّةِ.
وفيه: تَنبيهٌ على أنَّ الرُّقَى لا يَنبغِي أنْ تكونَ إلَّا بأسماءِ اللهِ وأوصافِه وذِكرِه.
وفيه: رِعايةُ اللهِ لِنبيِّه وحِفظُه له، وتَوكيلُه مَلائكتَه بذلكَ.
وفيه: إثباتُ تَأثيرِ الحسَدِ، وأنَّه مِن الشُّرورِ الَّتي يُستعاذُ منها.
وفيه: إثباتُ ضَررِ العينِ، وأنَّها حقٌّ، فيَنْبغي الاسترقاءُ منها.