باب ما يكره من المزارعة 3
سنن ابن ماجه
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عروة بن الزبير، قال:
قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا -والله- أعلم بالحديث منه، إنما أتى رجلان النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد اقتتلا، فقال: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع"، فسمع رافع قوله: "فلا تكروا المزارع" (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُرشِدُ أصحابَه إلى عدَمِ التَّنازُعِ وخاصَّةً في المعامَلاتِ الَّتي ينبَغي أن تَكونَ واضِحةَ الحدودِ والمعالِمِ، ومِن ذلك: كِراءُ الأرضِ. وفي هذا الحديثِ يَقولُ زيدُ بنُ ثابتٍ رَضِي اللهُ عَنه: "يَغفِرُ اللهُ لِرافِعِ بنِ خَديجٍ! أنا واللهِ أعلَمُ بالحديثِ منه"؛ وذلك أنَّ رافِعًا رَضِي اللهُ عَنه كان قد حدَّث عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالنَّهيِ عن كِراءِ الأرضِ، فأَوْضحَ ثابتٌ رَضِي اللهُ عَنه ذلك فقال: "إنَّما أتَى رجُلانِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقد اقتَتَلا"، أي: تَنازَع مالِكُ الأرضِ ومُستَأجِرُها حتَّى أدَّى نِزاعُهما إلى الاقتتالِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنْ كان هذا شأنَكم"، أي: التَّنازُعُ والاقتِتالُ عندَ كِراءِ الأرضِ، "فلا تُكْروا المَزارِعَ"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قالَها فَضًّا للمُنازَعةِ، وليس حُكمًا بالنَّهيِ عن كِراءِ الأرضِ على الإطلاقِ، قال ثابتٌ رَضِي اللهُ عَنه: "فسَمِع رافعُ بنُ خَديجٍ قولَه: فلا تُكْرُوا المزارِعَ"، أي: إنَّ رافعًا سمِعَ هذا القولَ فقط، فأخَذ الحُكْمَ على الإطلاقِ دونَ تبَيُّنٍ، والكِراءُ هو تأجيرُ الأرضِ ببَعضِ ما يَخرُجُ مِنها. وقد ورَد عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في آخِرِ حَياتِه أنَّه قد أعطَى خَيبرَ لليَهودِ على أن يَعمَلوها ويَزرَعوها، ولهم شَطْرُ ما خرَج منها، وعَمِل بذلك أبو بكرٍ وعُمرُ فترةً حتَّى أجْلاهم مِن خَيبرَ. ورُوي عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: أنَّه لَمَّا سَمِع إكثارَ النَّاسِ في كِراءِ الأرضِ، قال: سُبحانَ اللهِ! إنَّما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «ألَا منَحَها أحَدُكم أخاه!»، ولم يَنْهَ عن كِرائِها .