باب نوم الجنب قبل أن يغتسل
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة - رضي الله عنها - عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث قلت كيف كان يصنع في الجنابة أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل قالت كل ذلك كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام قلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. (م 1/ 171)
تَعدَّدَت صُوَرُ هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بعضِ العباداتِ التي كانَ يَفعَلُها في بَيتِه وفي اللَّيلِ، مِثلَ صَلاةِ قيامِ اللَّيلِ والوِترِ والغُسلِ بعدَ الجَنابةِ، بحَسَبِ اختلافِ أحوالِه، وكلُّها فيها خيرٌ للأُمَّةِ، ولِمَن أرادَ الاقتداءَ بِهَديِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ أبي قَيسٍ أنَّه سألَ أُمَّ المُؤمِنين عَائشةَ رَضيَ اللهُ عنها عن وِترِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيفَ كانت صُورتُه؟ وقولُه: «فَذَكَرَ الحَدِيثَ» إشارةٌ إلى أنَّ هذا الحديثَ مُطوَّلٌ، وهذا المذكورُ هنا مُختصَرُه، والجزءُ المحذوفُ منه -كما عندَ أبي داودَ-: «قالت: رُبَّما أوتَرَ أوَّلَ اللِّيلِ، وربَّما أوتَرَ من آخِرِه، قلتُ: كيفَ كانتْ قِراءتُه؟ أكانَ يُسِرُّ بالقراءةِ أم يَجهَرُ؟ قالت: كلَّ ذلك كانَ يَفعَلُ، رُبَّما أسَرَّ، ورُبَّما جَهَرَ»، وقد تَعدَّدَت صِفةُ وِترِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَيفيَّةُ أدائها، وعَدَدُ رَكَعاتِها، ومِن مَجموعِها يَتَبيَّنُ أنَّه يَجوزُ الوِترُ بثَلاثٍ، وبخَمسٍ، وبسَبعٍ، وبتِسعٍ، وبإحدى عَشْرةَ.
وبَيَّنت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ قِراءتَه في قيامِ اللَّيلِ والوِترِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحيانًا يُسِرُّ بالقراءةِ فلا يَسمَعُه أحدٌ، ورُبَّما يَرفَعُ صوتَه فيَسمَعُه مَن حولَه.
وسألَها عبدُ اللهِ أيضًا عنِ اغتِسالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الجَنابةِ؛ هل كانَ يَغتسِلُ قبلَ أن يَنامَ، أمْ أنَّه كانَ يَنامُ ويَغتسِلُ عندَما يَستيقظُ؟ والجَنابةُ تُطلَقُ على كُلِّ مَن أنزَلَ المَنيَّ أو جامَعَ، وسُمِّيَ بذلك لاجتِنابِه الصَّلاةَ والعباداتِ حتَّى يَطَّهَّرَ مِنها. فأخبَرَته عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ أحيانًا يَغتسِلُ قبلَ أن يَنامَ، وأحيانًا أُخرى يَنامُ دُونَ أن يَغتسِلَ، ولكنَّه كانَ يَتوضَّأُ إذا لم يَغتسِل.
فلمَّا سَمِعَ عبدُ اللهِ بنُ أبي قَيسٍ ذلك من عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالَ: «الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَل في الأمرِ» يَقصِدُ في كلِّ ما سألَ عنه، ويَحتمِلُ أنَّه يَخُصُّ أمرَ الاغتسالِ، «سَعَةً»، أي: سُهولةً ويُسرًا ولم يُضيِّقْ علينا.
وفي الحديثِ: بَيانُ تَيسيرِ الشَّرعِ على النَّاسِ في أُمورِ الاغتِسالِ مِنَ الجَنابةِ.
وفيه: بيانُ ما كانَ عليه السَّلفُ منَ الحِرصِ على السُّؤالِ في أُمورِ دينِهم، وتَتبُّعِ أفعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأقوالِه، وأحوالِه.