باب وقت العشاء وتأخيرها
بطاقات دعوية
حديث أبي موسى قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولا في بقيع بطحان، والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فكان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم، فوافقنا النبي عليه السلام أنا وأصحابي، وله بعض الشغل في بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى ابهار الليل، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم، فلما قضى صلاته، قال لمن حضره: على رسلكم، أبشروا، إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم، أو قال: ما صلى هذه الساعة أحد غيركم قال أبو موسى، ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
تبشير المسلم بما يسره من الأعمال التي يحبها الله تعالى؛ لأن فيه إدخال السرور على قلب المؤمن، وتثبيتا له على الحق، وفي هذا الحديث يخبر أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان هو وأصحابه ضمن مجموعة من المسافرين بالسفينة، وهم «مهاجرة البحر» كما عند ابن ماجه، وهم المهاجرون إلى الحبشة، وهم أهل السفينة الذين ركبوا البحر للوصول إلى الحبشة، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة، وكان رجوعهم في السنة السابعة من الهجرة، وكان أبو موسى خرج من اليمن لزيارة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فنازعته الريح حتى ألقته في الحبشة، فسكن بها سبع سنين، ثم قدم مع جعفر رضي الله عنه، وذلك لما وصل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي بعد الحديبية، فقدم مهاجرو الحبشة إلى المدينة في سفينتين، فكان أبو موسى وأصحابه في سفينة، ووصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افتتح خيبر، وقيل: كان عددهم سبعين نفسا، ونزلوا بواد في المدينة يسمى بقيع بطحان، و«البقيع»: المكان المتسع الذي فيه شجر من ضروب شتى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة عشاء يتناوبه كل ليلة نفر من أصحاب السفينة، و«التناوب»: التبادل، و«النفر»: من ثلاثة إلى عشرة، حتى إذا حان وقت جلوس أبي موسى وأصحابه مع النبي صلى الله عليه وسلم وافقوه صلى الله عليه وسلم في شغل له، قيل: إنه صلى الله عليه وسلم كان في تجهيز جيش، وقوله: «فأعتم بالصلاة حتى ابهار الليل»، يعني: انتصف، وقيل: كثرت ظلمته، والمراد أنه أخر صلاة العشاء عن أول وقتها إلى عتمة الليل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم العشاء، فلما قضى صلاته قال لمن حضره وصلى معه: تأنوا وانتظروا، وقال لهم: «أبشروا»، فافرحوا وسروا بخبر متعلق بكم، وفيه بشارة لكم بالأجر الجزيل على صلاتكم، وكانت البشرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم»، أو قال: «ما صلى هذه الساعة أحد غيركم»، والمعنى واحد، وهو أن من نعمة الله عليكم انفرادكم بهذه العبادة في هذا الوقت دون غيركم، وقوله: «لا يدري أي الكلمتين قال»، أي: لا يدري الراوي بالتحديد أيهما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع أبو موسى ومن معه رضي الله عنهم بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم رجعوا إلى منازلهم فرحين بها، وسبب فرحهم هو علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى، مع ما أضيف إلى ذلك من تجميعهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع كونه مشغولا بأمر الجيش خرج إليهم، وصلى بهم، فحصل لهم الفرح بذلك، وازدادوا فرحا ببشارته بتلك النعمة العظيمة
وفي الحديث: مشروعية الحديث بعد صلاة العشاء
وفيه: مشروعية تأخير العشاء إذا علم أن بالقوم قوة على انتظارها؛ ليحصل لهم فضل الانتظار؛ لأن المنتظر للصلاة في صلاة
وفيه: التبشير بما يسر؛ وبيان ما فيه من إدخال السرور في قلب المؤمن