باب وقت الوتر 1
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحق، عن الأسود بن يزيد، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: «كان ينام أول الليل ثم يقوم، فإذا كان من السحر أوتر، ثم أتى فراشه، فإذا كان له حاجة ألم بأهله، فإذا سمع الأذان وثب، فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء، وإلا توضأ ثم خرج إلى الصلاة»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بَيتِه يقومُ مِنَ اللَّيلِ ما شاء اللهُ له أنْ يقومَ، وكان الصَّحابةُ -والتَّابِعون مِن بعْدِهم- يَحرِصون على معرفةِ تَفاصيلِ عِبادتِه، ويَسألُون عمَّا لا يَرَوْنه مِمَّا كان يَتعبَّدُ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بيتِه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو إسحاقَ السَّبيعِيُّ أنَّه سَأل التَّابعيَّ الأسودَ بنَ يَزيدَ عَمَّا أخبَرَتْه به عائشَةُ رَضِي اللهُ عنها عَن صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وتَنفُّلِه باللَّيلِ، فأخبَرَه أنَّها قالَتْ: «كانَ يَنامُ أوَّلَ اللَّيلِ» وذلك بعْدَ صَلاةِ العشاءِ؛ لِيُعطِيَ جَسدَهُ حَظَّه مِنَ الرَّاحةِ، وَكان يَقومُ آخِرَ اللَّيلِ لِيُحييَهُ بِالصَّلاةِ والتَّهجُّدِ والوترِ، وهو الوقتُ الَّذي يَنزِلُ فيه اللهُ سُبحانه وتعالَى إلى السَّماءِ الدُّنيا، كما أخرَجَ الشَّيخانِ عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: »يَنزِلُ ربُّنا تبارَك وتعالَى كلَّ لَيلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنيا، حِين يَبْقى ثُلثُ اللَّيلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعوني فأستجيبَ له، مَن يَسألُني فأُعطِيَه، مَن يَستغفِرُني فأغْفِرَ له»
ثُمَّ إذا فَرَغَ مِن صَلاةِ اللَّيلِ قَضى حاجَتَه مِن نِسائِهِ إذا كانَتْ لَه حاجَةٌ إليهنَّ، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «ألمَّ بأهلِه» وهذا كِنايةٌ عن الجماعِ، ثُمَّ يَنامُ، فإذا دَخَلَ وَقتُ الفَجرِ وَسَمِعَ الأذانَ -وهو النِّداءُ الأوَّلُ- «وَثَبَ»، أي: قامَ في سُرعةٍ ونَشاطٍ، فأفاضَ عليه الماءَ، فاغتَسلَ مِنَ الجَنابةِ إنْ كان جُنبًا مِن جِماعِ نِسائِه، وإنْ لَم يَكُنْ جُنُبًا اكتَفى بالوُضوءِ فَقَطْ، ثُمَّ يُصلِّي رَكعتينِ سُنَّةَ الفَجرِ
وقولُ الرَّاويُّ: «ولا واللهِ ما قالتْ: قام»، وكذا قولُه: «ولا واللهِ، ما قالتْ: اغتَسَل، وأنا أعلمُ ما تُريدُ»، أراد بهذا أنَّه ذكَر اللَّفظَ الَّذي قالَتْه عائشةُ رَضِي اللهُ عنها، وهو: «فأفاضَ عليه الماءَ»، ولم تَذكُرْ لفظَ: »اغتسَلَ»، وهو يَعلَمُ أنَّها تُريدُ بـ«أفاض» اغتسَلَ، وهذا بيانٌ لمُحافَظتِه على أداءِ ما سَمِعه كما سَمِعه، ولم يُؤدِّه بمَعناه
وفي الحَديثِ: نَومُ الجُنبِ مِن غيْرِ أنْ يَتوضَّأَ
وفيه: الاهتمامُ بالعِبادَة والإقبالُ عليها بالنَّشاطِ، ويدُلُّ على ذلك لفظُ (وَثَبَ)