باب: ومن سورة البقرة35
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: 284] قال: دخل قلوبهم منه شيء، لم يدخل من شيء، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قولوا سمعنا وأطعنا»، فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تبارك وتعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون} [البقرة: 285] الآية {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286] قال: قد فعلت {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} [البقرة: 286] قال: قد فعلت {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} [البقرة: 286] الآية قال: قد فعلت. هذا حديث حسن، وقد روي هذا من غير هذا الوجه عن ابن عباس. وآدم بن سليمان يقال: هو والد يحيى بن آدم. وفي الباب عن أبي هريرة
اللهُ عزَّ وجلَّ رَحيمٌ بعِبادِه المؤمِنينَ لَطيفٌ بهم، يَرحَمُهم في الدُّنيا والآخرَةِ، ومِن رَحمتِه ولُطفِه بالمؤمِنينَ المذْنِبين أنَّه سُبحانه يُخفِّفُ عنهم عَذابَ الآخرَةِ ببعضِ ما يُصيبُهم مِن البلاءِ في الدُّنيا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا نزلَتْ آيةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، بَلغَتْ مِنَ المسلِمينَ مَبْلَغًا شديدًا، أي: أمرًا بالِغَ الشِّدَّةِ مِنَ الخوفِ مِن عَذابِ اللهِ على جَزاءِ عَملِ السُّوءِ الَّذي لا يَخْلو أحدٌ مِن الوُقوعِ فيه؛ فإنَّ الآيةَ تَتوعَّدُ كلَّ مَن عَمِلَ سُوءًا كبيرًا أو صغيرًا بالمُجازاةِ عليه، وفَهِموا أنَّ ذلكَ لا يُغفَرُ، وهذا أمرٌ عَظيمٌ، فلمَّا رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَوْفَهم سَكَّنَهم وأرْشَدَهم وبَشَّرهم، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قَارِبُوا»، أي: اقْصِدُوا أقْربَ الأمورِ فيما تُعبِّدْتُم به ولا تَغْلُوا فيه ولا تُقَصِّرُوا؛ «وسَدِّدُوا»، أي: اقْصِدوا السَّدادَ في كلِّ أمْرٍ، ولا تَتعمَّقُوا فإنَّه لنْ يُشادَّ أحدُكُم هذا الدِّينَ إلَّا غلَبَه؛ بلِ اسْتَبْشِروا بلُطفِ اللهِ تَعالَى، «ففي كلِّ ما يُصابُ به المسلمُ كفَّارةٌ» لِذُنوبِه «حتَّى النَّكبةِ يُنْكَبُها» وهو ما يُصيبُ الإنسانَ مِنَ الحوادثِ، «أوِ الشَّوكةِ يُشاكُها»، أي: يصاب بِحدِّهَا، فيَصبِرُ على أذاها ووَجعِها احتِسابًا للهِ تَعالَى دونَ تَسخُّطٍ وشَكوَى لأحدٍ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُكفِّرُ بها مِن خَطايا العَبدِ تَفضُّلًا وتَكرُّمُا منه جَلَّ وعلَا على عَبدِه المُسلمِ.
وفي الحديثِ: تَسليةٌ بَالغةٌ وإِعلامٌ بِأنَّه لا يُصيبُ العبدَ شَيءٌ إلَّا كَفَّرَ اللهُ عنه مِن خَطايَاه.