باب: ومن سورة التوبة6
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: «يا عدي اطرح عنك هذا الوثن»، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة: 31]، قال: «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه»: «هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث»
حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أصحابَه على أنْ يَترُكوا عاداتِ الجاهليَّةِ وأوثانَها، وكان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَنْهاهم عن التَّشبُّهِ بالمشركينَ أو اليهودِ أو النَّصارى، ومن ذلك ما جاءَ في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ عديُّ بنُ حاتمٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أتَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وفي عُنُقي صَليبٌ مِن ذهَبٍ"، أي: وقد علَّقْتُ في عُنقي سلسلةً فيها صليبٌ مِن ذهَبٍ، والصَّليبُ شِعارُ النَّصارى، وكان عديُّ بنُ حاتمٍ نصرانيًّا، ثمَّ جاءَ فأسلَم، "فقال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لعدِيِّ بنِ حاتمٍ: "يا عديُّ، اطرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ"، أي: انزِعْ عنكَ هذا الصَّليبَ وأَلْقِه، والوَثَنُ هو الصَّنَمُ، وكلُّ ما جَسَّدَ شيئًا فهو وَثَنٌ، سواءٌ كان مِن طينٍ أو حجارةٍ، أو خشَبٍ أو حديدٍ، "وسَمِعْتُه يقرَأُ في سورةِ بَرَاءةَ"، أي: وسمِعَ عديُّ بنُ حاتمٍ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهو يقرَأُ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]"، أي: إنَّ اليهودَ اتَّخَذَتْ أحبارَهم، والنَّصارى اتَّخَذَتْ رُهبانَهم آلهةً مِن دونِ اللهِ، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أمَا إنَّهم لم يكونوا يَعبُدونهم"، أي: إنَّ اليهودَ والنَّصارى لم يكونوا يعبُدون أحبارَهم ورُهبانَهم، "ولكنَّهم"، أي: اليهودَ والنَّصارى، "كانوا إذا أحَلُّوا لهم شيئًا استحَلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه"، أي: إنَّ الأحبارَ والرُّهبانَ كانوا إذا أحَلُّوا شيئًا استحَلَّه أتباعُهم، وإذا حرَّموا شيئًا امتَنَع عنه أتباعُهم، وكأنَّهم بذلك اتَّخَذوا أحبارَهم ورُهبانَهم آلهةً مِن دونِ اللهِ، يُحِلُّون لهم، ويُحرِّمونَ عليهم.
وفي الحديثِ: أنَّ التَّحليلَ والتَّحريمَ مِن خَصائصِ اللهِ جلَّ وعلا، وأنَّ مَن اتَّبعَ أحدًا في ذلك فقد اتَّخذَه إلهًا مِن دُونِه.