باب: ومن سورة المائدة6
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: قال البراء: " مات ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر، فلما نزل تحريمها قال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ قال: فنزلت: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [المائدة: 93] " الآية. هذا حديث حسن صحيح
في هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا نزلَ قولُ اللهِ تَعالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}، أي: لَيْسَ عليهم إثمٌ أو مُؤاخَذَةٌ فِيما شَرِبوا مِنَ الخمْرِ قبْلَ تَحريمِها {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]، أي: بِشَرْطِ أنْ يَتْركوا المَعاصيَ والمُحرَّماتِ، ويُؤمنوا بِاللهِ إيمانًا صَحيحًا مُوجِبًا لهم عَمَلَ الصَّالحاتِ، ثُمَ يَستمرُّوا على ذلك، حتَّى يَأتِيَهم أَجلُهم، ويَداوموا على إحسانِهم في عِبادتِهم للهِ ومُعاملتِهم للنَّاسِ؛ فَإنَّ اللهَ يُحبُّ الْمُحسنينَ، لَمَّا نَزَلَت هذه الآيةُ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: «قِيلَ لي: أنتَ مِنهم»، أي: أُوحِيَ إليَّ أنَّكَ يا ابنَ مسعودٍ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ الموصوفينَ بالتَّقوى والإحسانِ، وهذه تَزكيةٌ عظيمةٌ، ودرجةٌ رفيعةٌ، قَلَّ مَن ظَفِرَ بِمِثْلِها.
وكان سَببُ نُزولِ هذه الآيةِ -كما ورَدَ في الصَّحيحينِ- أنَّ الخَمرَ لَمَّا حُرِّمت سَأل الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم عن حالِ أصحابِهم الَّذين ماتوا وهُم يَشرَبون الخمْرَ قبْلَ أنْ يَنزِلَ النَّهيُ فيها؛ هلْ سَيُآخَذون بشُرْبِهم هذا؟ فنزَلَت هذه الآيةُ.
ودُخولُ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه في الآيةِ يَتعلَّقُ بما ورَدَ في الآيةِ مِن صِفاتٍ؛ وهي التَّقوى والإيمانُ والعملُ الصَّالحُ والإحسانُ.
وفي الحديثِ: فضلُ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه.