باب: ومن سورة النساء17
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني قال: حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان، قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة، في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح ودرع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سآمر في ذلك»، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له: أسير بن عروة فكلموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته، فقال: «عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة»، قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} [النساء: 105] بني أبيرق {واستغفر الله} [النساء: 106] أي مما قلت لقتادة {إن الله كان غفورا رحيما} [النساء: 23] {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} [النساء: 108]- إلى قوله - {غفورا رحيما} [النساء: 23] أي: لو استغفروا الله لغفر لهم {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه} [النساء: 111]- إلى قوله - {وإثما مبينا} [النساء: 20] قولهم للبيد {ولولا فضل الله عليك ورحمته} [النساء: 113]- إلى قوله - {فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء: 74] فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة، فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح، وكان شيخا قد عشا - أو عسا - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد ابن سمية فأنزل الله {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} [النساء: 115] فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني. وروى يونس بن بكير، وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا، لم يذكروا فيه عن أبيه، عن جده. وقتادة بن النعمان هو: أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وأبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان
يخبِرُ الله نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه هو مَن أنزل إليه الكتاب بالحقِّ، ومشتملًا على الحقِّ، ليحكُمَ بين النَّاس بما علَّمه الله تعالى ممَّا أنزله في كتابه، ناهيًا إيَّاه عن المخاصَمة والمدافعة عمَّن علِم خيانتَه، وأمَره تعالى أن يستغفر اللهَ؛ فإنَّه سبحانه غفورٌ رحيم.
ثمَّ نهاه تعالى عن المجادلة والدِّفاع عن الَّذين يخُونون أنفسَهم؛ فإنَّ الله تعالى لا يحبُّ مَن اتَّصف بالخيانةِ وارتكابِ الإثمِ.
ثمَّ ذكَر الله عن هؤلاء الخائنين أنَّهم يستترونَ عن النَّاس عند ارتكابِهم سيِّئَ العملِ، ولا يستترون من الله، وهو معهم أينما كانوا، مُطَّلِعٌ على كلِّ ما يفعلونه، خصوصًا حين يُدبِّرون ليلًا ما لا يرضاه من القول، والله قد أحاط عِلمًا بجميع أعمالِهم.
ثمَّ يخاطبُ الله عباده قائلًا لهم: هَبْكُم جادلتُم عن هؤلاء الخَوَنة في الحياة الدُّنيا، ونفَعهم جدالُكم عند الخَلْق، فمن الَّذي سيخاصم اللهَ عنهم يومَ القيامةِ حين تقومُ عليهم الحُجَّة، أمَّن سيكون وكيلًا عنهم؟