باب: ومن سورة النساء18
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، وعبد الله بن أبي زياد المعنى واحد، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن محيصن، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة، قال: لما نزل: {من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] شق ذلك على المسلمين، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قاربوا وسددوا، وفي كل ما يصيب المؤمن كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها» ابن محيصن هو: عمر بن عبد الرحمن بن محيصن ": «هذا حديث حسن غريب»
اللهُ عزَّ وجلَّ رَحيمٌ بعِبادِه المؤمِنينَ لَطيفٌ بهم، يَرحَمُهم في الدُّنيا والآخرَةِ، ومِن رَحمتِه ولُطفِه بالمؤمِنينَ المذْنِبين أنَّه سُبحانه يُخفِّفُ عنهم عَذابَ الآخرَةِ ببعضِ ما يُصيبُهم مِن البلاءِ في الدُّنيا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيرَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا نزلَتْ آيةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، بَلغَتْ مِنَ المسلِمينَ مَبْلَغًا شديدًا، أي: أمرًا بالِغَ الشِّدَّةِ مِنَ الخوفِ مِن عَذابِ اللهِ على جَزاءِ عَملِ السُّوءِ الَّذي لا يَخْلو أحدٌ مِن الوُقوعِ فيه؛ فإنَّ الآيةَ تَتوعَّدُ كلَّ مَن عَمِلَ سُوءًا كبيرًا أو صغيرًا بالمُجازاةِ عليه، وفَهِموا أنَّ ذلكَ لا يُغفَرُ، وهذا أمرٌ عَظيمٌ، فلمَّا رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَوْفَهم سَكَّنَهم وأرْشَدَهم وبَشَّرهم، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قَارِبُوا»، أي: اقْصِدُوا أقْربَ الأمورِ فيما تُعبِّدْتُم به ولا تَغْلُوا فيه ولا تُقَصِّرُوا؛ «وسَدِّدُوا»، أي: اقْصِدوا السَّدادَ في كلِّ أمْرٍ، ولا تَتعمَّقُوا فإنَّه لنْ يُشادَّ أحدُكُم هذا الدِّينَ إلَّا غلَبَه؛ بلِ اسْتَبْشِروا بلُطفِ اللهِ تَعالَى، «ففي كلِّ ما يُصابُ به المسلمُ كفَّارةٌ» لِذُنوبِه «حتَّى النَّكبةِ يُنْكَبُها» وهو ما يُصيبُ الإنسانَ مِنَ الحوادثِ، «أوِ الشَّوكةِ يُشاكُها»، أي: يصاب بِحدِّهَا، فيَصبِرُ على أذاها ووَجعِها احتِسابًا للهِ تَعالَى دونَ تَسخُّطٍ وشَكوَى لأحدٍ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُكفِّرُ بها مِن خَطايا العَبدِ تَفضُّلًا وتَكرُّمُا منه جَلَّ وعلَا على عَبدِه المُسلمِ.
وفي الحديثِ: تَسليةٌ بَالغةٌ وإِعلامٌ بِأنَّه لا يُصيبُ العبدَ شَيءٌ إلَّا كَفَّرَ اللهُ عنه مِن خَطايَاه.