باب: ومن سورة النساء19
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومي لعائشة، ففعل " فنزلت: {فلا جناح} [النساء: 128] عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. هذا حديث حسن صحيح غريب
كانت سَودَةُ بنتُ زمعةَ مِن أرجَحِ النِّساءِ عَقلًا، فحَرَصَت على الآخرةِ أكثرَ مِن الدُّنيا، وقد كانت كبيرةَ السِّنِّ، فوهَبَتْ يومَها مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لعائشةَ؛ لعِلْمِها بحُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لها؛ وذلك لِتَظلَّ تحتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "خَشِيَت"، أي: خافَت "سَودةُ أن يُطلِّقَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، وهي سَودةُ بنتُ زَمعةَ بنِ قَيسٍ القُرشيَّةُ، "فقالت"، أي: سَودةُ: "لا تُطلِّقْني وأمسِكْني، واجعَلْ يومي لعائشةَ"، أي: إن أرَدتَ طَلاقي، فلا تفعَلْ، وإنِّي أُعطيك يومي لعائشةَ، "ففَعَل"، أي: لم يُطلِّقْها، وجعَل يومَها لعائشةَ فنزَلَت: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، أي: إذا خافَتِ المرأةُ مِن نُشوزِ زَوجِها، وعدَمِ رَغبتِه فيها وإعراضِه عنها، فالأفضَلُ في هذه الحالةِ أن يُصلِحا بينَهما صُلحًا؛ بأن تتَنازَلَ المرأةُ عن بعضِ حُقوقِها اللَّازمةِ لزَوجِها على وجهٍ تَبقى معَه مع زوجِها، ومِن ذلك أن تَهَبَ يومَها وليلتَها لِضَرَّتِها.
وقد ورَد مِن عدَّةِ طُرقٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعَث إلى سَودةَ بطَلاقِها، وفي بَعضِها أنَّه قَالَ لها: "اعتَدِّي"، والطَّريقانِ مُرسَلان، وفيهما أنَّها قعَدَت له عَلَى طريقِه، فناشَدَتْه أن يُراجِعَها، وجعَلَت يومَها وليلَتَها لعائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، ففعَل، ومِن طريقِ مَعمَرٍ، قالَ: بلَغَني أنَّها كَلَّمَتْه، فقالت: ما بي عَلَى الأزواجِ مِنْ حِرصٍ، ولكنِّي أُحِبُّ أن يبعثَني اللهُ يومَ القيامةِ زَوجًا لك.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على تَجنُّبِ أكبَرِ المفاسدِ، وتَحصيلِ أكبرِ المصالحِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّصالُحِ بينَ الزَّوجِ وإِحْدى زَوجاتِه على هِبَةِ يومِها لِغَيرِها مِن زَوجاتِه.