باب: ومن سورة النور2
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، قال: سئلت عن المتلاعنين في إمارة مصعب بن الزبير أيفرق بينهما فما دريت ما أقول، فقمت من مكاني إلى منزل عبد الله بن عمر، فاستأذنت عليه، فقيل لي إنه قائل فسمع كلامي فقال لي: ابن جبير؟ ادخل، ما جاء بك إلا حاجة، قال: فدخلت فإذا هو مفترش بردعة رحل له، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، المتلاعنان أيفرق بينهما؟ فقال: " سبحان الله نعم، إن أول من سأل عن ذلك فلان ابن فلان، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت لو أن أحدنا رأى امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على أمر عظيم "، قال: " فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله هذه الآيات في سورة النور {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: 6] حتى ختم الآيات " قال: " فدعا الرجل فتلاهن عليه ووعظه، وذكره وأخبره: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم ثنى بالمرأة ووعظها وذكرها، وأخبرها: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا، والذي بعثك بالحق ما صدق، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما «وفي الباب عن سهل بن سعد.» وهذا حديث حسن صحيح "
اللِّعانُ بيْن الزَّوجينِ يَكونُ نَتيجةَ اتِّهامِ الزَّوجِ زَوجَتَه بِالزِّنا ونَفْيِه لِنَسبِ الولدِ منها، فإذا نَفَتِ المرأةُ ذلك حُكِمَ بيْنهما بِالتَّلاعُنِ، وصُورَتُه تكونُ كما في قَولِه تعالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 8 - 9].
وقد وقع في زَمَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ هِلالَ بنَ أُميَّةَ رضِي اللهُ عنه اتَّهمَ امرأتَه بِالزِّنا، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: البَيِّنَةَ أو حدٌّ في ظَهْرِك، يعني: إمَّا أنْ تأتِيَ بِالبيِّنة الدَّالَّةِ على زِنا زوجتِك -نحوَ إقرارِها أو شهادةِ أربَعِ شُهودٍ- أو تُحَدَّ حدَّ القاذفِ، وهو ثمانون جَلدةً؛ لأنَّه رمى غيرَه بالزِّنا دونَ بَيِّنةٍ، فأنزلَ اللهُ تعالَى فيهما حكْمَ مَن قذَفَ امرأتَه بِالزِّنَا وأنْكرَتِ امرأتُه ذلك، فكان اللِّعانُ بيْنهما، وهو أنْ يَشهَدَ الرَّجلُ أربعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إنَّه لَصادقٌ، ثُمَّ يَشهَدَ الخامسةَ أنَّ لَعْنةَ اللهِ عليه إنْ كان كاذبًا، ثُمَّ تَشهدَ المرأةُ أربعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إنَّه لَمِنَ الكاذِبِينَ، وتَشهَدَ الخامسةَ أنَّ غضَبَ اللهِ عليها إنْ كان زَوجُها صادقًا.
وفي هذا الحديثِ يروي سعيدُ بنُ جُبَيرٍ أنَّه سأل عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما عَن هذه الحادثةِ، فذكَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَّن لهما –لهلالِ بنِ أمَيَّةَ، وامرأتِه، بعد أن ثبت كُلُّ واحدٍ منهما على قَولِه وكَذَّب صاحِبَه، أنَّ اللهَ سُبحانه وتعالَى يَعلَمُ الصَّادقَ منهما والكاذِبَ، وأنَّه تعالَى يَتولَّى حِسابِهما، ثُمَّ فرَّقَ بيْنَهُما، وأخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هلالَ بنَ أميَّةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه لا سَبيلَ له عليها، أي: ليس له سُلطانٌ على زوجتِه التي لاعنها، وانحَلَّت عُقدةُ النِّكاحِ بينهما إلى الأبَدِ، فطلب هلالٌ رضِي اللهُ عنه من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يسترِدَّ له منها مالَه الَّذي دفعه لها مَهْرًا، فبيَّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لا يستحِقُّ شيئًا مِن مَهْرِه الذي دفَعَه لها؛ إمَّا أنْ يكونَ صادِقًا في دَعواه وأنَّها زانيةٌ بالفِعلِ وكَذَبَت في يمينِها، وهي في هذه الحالةِ تَستحِقُّ المهْرَ مقابِلَ ما استحلَلَه مِن فَرْجِها، وإمَّا أنْ يكونَ كاذبًا في اتهامِه لها بالزِّنا، وأنَّه حلف كَذِبًا، وهذه الحالةُ أَولى ألَّا يُرَدَّ له شَيءٌ من المهرِ.
ويُخبِرُ سعيدُ بنُ جُبيرٍ أنه سأل ابنَ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما عن رجلٍ لاعن امرأتَه، أيُفرَّق بينهما؟ فأشار ابنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما بإصبَعَيه السَّبابةِ والوسطى وفرَّق بينهما، ثم ذكَرَ له أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَّقَ بَيْنَ أَخَوْي بَني عَجلانَ، وهمُ الزَّوجانِ مِن بَني عَجلانَ اللَّذَيْنِ لاعَنَا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقالَ لهما صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اللهُ يَعْلَمُ أنَّ أحَدَكُما كَاذِبٌ، فَهلْ مِنْكُما تَائِبٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»، وظاهِرُه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذلك بعد الفراغِ مِنَ اللِّعانِ، ففيه عَرضُ التوبةِ على المذنِبِ ولو بطريقِ الإجمالِ. وقيل: قاله قبل اللِّعانِ تحذيرًا لهما. وتَفريقُ ابنِ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما بين إِصبعَيْه السَّبَّابةِ وَالوُسطى: إشارةٌ إلى التَّفريقِ بَيْنَ المُتلاعِنَيْنِ، فهو تبيينٌ للمعنى بالإشارةِ مع البيانِ باللَّفظِ.
وفي الحَديثِ: جانِبٌ من عَظَمةِ التشريعِ الإسلاميِّ.
وفيه: دَليلٌ على استقرارِ المهرِ بالدُّخولِ.
وفيه: ثُبوتُ مَهرِ الملاعَنةِ المدخولِ بها.