حديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

مسند احمد

حديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أدركهم يذكرون، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظهر على خيبر وصارت خيبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ضعف عن عملها فدفعوها إلى اليهود يقومون عليها وينفقون عليها، على أن لهم نصف ما خرج منها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مائة سهم، فجعل نصف ذلك كله للمسلمين، وكان في ذلك النصف سهام المسلمين، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معها، وجعل النصف الآخر لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس»

اشتَمَلَتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ على كُلِّ ما يَحتاجُه المُسلمُ في أمرِ دينِه ودُنياه، ومِن ذلك أن بَيَّنَت كَيفيَّةَ عَلاقةِ المُسلِمِ بتَعامُلِه مَعَ الكُفَّارِ، وأنَّ التَّعامُلَ إذا كان في أُمورِ الدُّنيا مِنَ البَيعِ والشِّراءِ ونَحوِ ذلك، فهذا مَشروعٌ؛

 فقد كان المُسلمونَ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشتَرونَ ويَبيعونَ مِنَ اليَهودِ، ومِن ذلك أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ ظَهَرَ، أي: غَلَبَ وانتَصَرَ، على خَيبَرَ، وهيَ مَدينةٌ كَبيرةٌ ذاتُ حُصونٍ ومَزارِعَ شَمالَ المَدينةِ، على بُعدِ 170كم إلى جِهةِ الشَّامِ، وأكثَرُ مَحصولاتِها التَّمرُ لكَثرةِ نَخلِها، وكان يَسكُنُها اليَهودُ، وكان أهلُ خَيبَرَ مِنَ اليَهودِ أهلَ غَدرٍ وخيانةٍ، فغَزاهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السَّنةِ السَّابعةِ للهجرةِ وانتَصَرَ عليهم، وأصبَحَت خَيبَرُ بما فيها مِنَ المَزارِعِ غَنيمةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وللمُسلمينَ. فضَعُف عن عَمَلِها، أي: ضَعُف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةُ عنِ العَمَلِ في زِراعةِ أرضِ خَيبَرَ لاشتِغالِهم بالحُروبِ وعَدَمِ تَفرُّغِهم لَها، فدَفعوها إلى اليَهودِ، أي: سَلَّموا مَزارِعَ خَيبَرَ لليَهودِ، يَقومونَ -أي: حَتَّى يَقوموا عليها ويَتَولَّوا زِراعَتَها والاهتِمامَ بها- ويُنفِقونَ عليها، أي: مِمَّا تَحتاجُه الأرضُ مِن بَذرٍ وسَقيٍ وماءٍ ونَحوِ ذلك، على أنَّ لَهم نِصفَ ما خَرَجَ مِنها، أي: ويَكونُ أجرُهم نِصفَ ثِمارِ ما يَخرُجُ مِنَ المَزارِعِ، والنِّصفُ الآخَرُ للمُسلمينَ. فقَسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرضَ خَيبَرَ على سِتَّةٍ وثَلاثينَ سَهمًا، أي: جَزَّأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النِّصفَ الذي هو للمُسلمينَ على سِتَّةٍ وثَلاثينَ جُزءًا، جَمع كَلُّ سَهمٍ مِئةَ سَهمٍ، أي: كان كُلُّ سَهمٍ فيه لمِائةِ شَخصٍ يَشتَرِكونَ فيه، فجَعَلَ نِصفَ ذلك كُلَّه للمُسلمينَ، أي: نِصفَ تلك السِّهامِ، وهيَ ثَمانيةَ عَشَرَ سَهمًا، مِن نَصيبِ المُسلمينَ الذينَ غَزَوا مَعَه، وكان في ذلك النِّصفِ، أي: النِّصفِ الذي هو مِن نَصيبِ المُسلمينَ فيه، سِهامُ المُسلمينَ، وسَهمُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَهم، فنَصيبُه كَواحِدٍ مِنهم. وجَعَلَ النِّصفَ الآخَرَ، أي: بَقيَّةَ السِّهامِ، وهيَ الثَّمانيةَ عَشَرَ الأُخرى، لمَن يَنزِلُ به، أي: بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوُفودِ. والوَفدُ: همُ القَومُ يَجتَمِعونَ ويَرِدونَ البلادَ، واحِدُهم وافِدٌ، ويُطلقُ أيضًا على الذينَ يَقصِدونَ الأُمَراءَ لزيارةٍ واستِرفادٍ وغَيرِ ذلك، والأُمورِ، أي: الأُمورِ التي قد تَطرَأُ على المُسلمينَ، ونَوائِبِ النَّاسِ، جَمعُ نائِبةٍ، وهيَ ما يَنوبُ الإنسانَ، أي: يَنزِلُ به مِنَ المُهمَّاتِ والحَوادِثِ. والمَعنى: أنَّ خَيبَرَ قُسِّمَت على نِصفينِ: نِصفٌ لليَهودِ، ونِصفٌ للمُسلمينَ مَعَ رَسول اللهِ، ثُمَّ قَسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النِّصفَ الخاصَّ بالمُسلمينَ على سِتَّةٍ وثَلاثينَ جُزءًا، وجَعَلَ نِصفَه للمُسلمينَ وللرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والنِّصفَ الباقيَ لمَن يَقدَمُ المَدينةَ مِنَ الوُفودِ، وأيضًا لما قد يَطرَأُ للمُسلمينَ مِن حَوادِثَ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ التَّعامُلِ مَعَ الكُفَّارِ في الزِّراعةِ والبَيعِ والشِّراءِ ونَحوِ ذلك
وفيه مَشروعيَّةُ جَعلِ الأُجرةِ في الزِّراعةِ بجُزءٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا يَخرُجُ مِنَ الأرضِ
وفيه أنَّ كَيفيَّةَ تَقسيمِ الغَنائِمِ مَرجِعُه للإمامِ
وفيه مَشروعيَّةُ جَعلِ الإمامِ جُزءًا مِن أموالِ الغَنائِمِ لمَصالحِ المُسلمينَ