حديث رجل عن رجل
مسند احمد
حدثنا مؤمل بن إسماعيل أبو عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن منيب، عن عمه قال: بلغ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحدث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة» ، فرحل إليه وهو بمصر فسأله عن الحديث قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة» ، قال: وأنا قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَحاسنِ الأَخلاقِ، ومِنها السَّترُ، فإذا رَأى الإنسانُ مِن أخيهِ مَعصيةً فَلا يَفضَحْه ولا يَنشُرْها بيْن النَّاسِ، بل يَستُرُها
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَستُرُ مُسْلمٌ أخاهُ المسْلمَ في أمرٍ مِن أُمورِ الدُّنيا، إلَّا ستَرَه اللهُ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ؛ فالجَزاءُ مِن جِنسِ العَملِ، ويَكونُ سَترُه له بسَتْرِ عُيوبِه ومَعاصيهِ عنْ إِذاعتِها عَلى أهلِ المَحشرِ، وقدْ يَكونُ بتَرْكِ مُحاسبَتِه عَليها وذِكرِها له
وليْس في هذا ما يَقْتضي ترْكَ الإنكارِ على العاصي بالحُسنى سِرًّا، وليْس فيه تَرْكُ الشَّهادةِ عليه بذلكَ على ما إذا أنكَرَ عليه ونَصَحَه، فلمْ يَنتَهِ عن قَبيحِ فِعلهِ، ثمَّ جاهَرَ به؛ لأنَّ المسْلمَ مأمورٌ بأنْ يَستتِرَ إذا وَقَع منه شَيءٌ مِن المعاصي، فالَّذي يَظهَرُ أنَّ السَّترَ مَحلُّه في المَعصيةِ الَّتي قدِ انقَضَت ولا يَتعدَّى أثَرُها إلى غيرِ المرتكِبِ، والَّتي لا يُجاهِرُ بها ولا يُصِرُّ عليها، أمَّا الإنكارُ فيكونُ في مَعصيةٍ قدْ حَصَل التَّلبُّسُ بها، فيَجِبُ الإنكارُ عليه، وإلَّا رَفَعَه إلى الحاكمِ، وليْس ذلك مِن الغِيبةِ المُحرَّمةِ، بلْ مِن النَّصيحةِ الواجبةِ، وخاصَّةً إذا اقتَضَت الضَّرورةُ، ومِن ذلك أيضًا: التَّحذيرُ مِن شرِّ مَن عُرِفَ بالسُّوءِ ونَصيحةُ مَن يَتعامَلُ معه. ومنها: المُشَاوَرَةُ في أمْرِ المُصاهَرَةِ أو المُشارَكةِ أو المُجاوَرَةِ، ونَحوِ ذلكَ. ومنها: غِيبةُ المُجاهِرِ بفِسْقِه أو بِدعَتِه، كالخَمرِ؛ فيَجوزُ ذِكرُه بما يُجاهِرُ به فقطْ وعدَمُ سَترِه