حديث عدي بن عميرة الكندي 3

مستند احمد

حديث عدي بن عميرة الكندي 3

حدثنا ابن نمير، حدثنا سيف، قال: سمعت عدي بن عدي الكندي، يحدث عن مجاهد، قال: حدثني مولى لنا، أنه سمع جدي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك، عذب الله الخاصة والعامة»

يُعاقِبُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ هذه الأُمَّةَ ببَعضِ ما عاقَبَ به الأُمَمَ الهالِكةَ، إذا ظهَرَت فيهمُ المَعاصي والآثامُ وكثُرَت، ولم يُوجَدْ مَن يَأمُرُ بالمَعروفِ، ويَنْهى عنِ المُنكَرِ؛ زجْرًا لتلك الأُمَّةِ أنْ تَأخُذَ طَريقَ العِصيانِ
وفي هذا الحَديثِ يُقرِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه لا يُوقِعُ العَذابَ على عامَّةِ النَّاسِ بسبَبِ مُنكَرٍ فَعَله بعضُهم، فلا تَزِرُ وازِرةٌ وِزْرَ أُخْرى، ولكنَّه سُبحانَه جعَل لعامَّةِ الأُمَّةِ مَخرَجًا مِن ذلك؛ بالأمرِ بالمَعروفِ، والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ الَّذي هو وَظيفةُ الأنْبياءِ والرُّسلِ، ومِن بَعدِهمُ العُلماءُ وقادةُ الأُمَّةِ، ومُعلِّموها، كما قال تعالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110]؛ فإنَّها خيْرُ أُمَّةٍ لأجْلِ ذلك، ولا شكَّ أنَّ الأُمَمَ الغابِرةَ كانوا يتَساهَلونَ في الأمرِ بالمَعروفِ، والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، ويَسكُتونَ على مَن فَعَل ذلك؛ ولذلك شنَّع عليهمُ الباري تعالَى في القرآنِ الحَكيمِ في غيرِ آيةٍ، وكذلك أُمَّةُ الإسْلامِ، فإذا رَأى العامَّةُ المُنكَرَ مُنتَشِرًا وظاهرًا بيْنَهم في المُجتَمعاتِ، ولم يُنكِروا على أهلِ الفِسقِ والفُجورِ عِصيانَهم، وهمْ قادِرونَ على أنْ يُنكِروه؛ فعندَئذٍ يُعذِّبُ اللهُ سُبحانَه الخاصَّةَ والعامَّةَ
وهذا مَعْناه أنَّ البَلاءَ والعَذابَ قدْ يُرفَعُ عن غيرِ الصَّالِحينَ، إذا كثُر الصَّالحونَ والآمِرونَ بالمَعروفِ، والنَّاهونَ عنِ المُنكَرِ، فأمَّا إذا كثُر المُفسِدونَ، وقلَّ الصَّالِحونَ، هلَك المُفسِدونَ والصَّالحونَ معَهم، إذا لم يَأمُروا بالمَعروفِ، ويَكْرَهوا ما صَنَع المُفسِدونَ، وهو مَعْنى قولِه تعالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]؛ بلْ يَعُمُّ شُؤمُها على الجَميعِ مَن تَعاطاها، ومَن رَضيَها، فيَنبَغي لطالِبِ الآخِرةِ والسَّاعي في تَحصيلِ رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ يَعْتنيَ بهذا البابِ؛ فإنَّ نفْعَه عَظيمٌ، لا سيَّما وقدْ ذهَب مُعظَمُه، ويُخلِصَ نيَّتَه، ولا يَهابَنَّ مَن يُنكِرُ عليه لارتِفاعِ مَرتَبتِه؛ فإنَّ اللهَ تعالَى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، واعلَمْ أنَّ الأجْرَ على قَدْرِ النَّصَبِ، وألَّا يُتارِكَه أيضًا لِصَداقتِه، ومَودَّتِه، ومُداهنَتِه، وطلَبِ الوَجاهةِ عندَه، ودَوامِ المَنزِلةِ لدَيه؛ فإنَّ صَداقتَه ومَودَّتَه يُوجِبانِ له حُرمةً وحقًّا، ومِن حقِّه أنْ يَنصَحَه ويَهدِيَه إلى مَصالِحِ آخِرَتِه، ويُنقِذَه مِن مَضارِّها