سورة {المدثر}
بطاقات دعوية
عن يحيى بن أبى كثير: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ قال: {يا أيها المدثر}. قلت: يقولون: {اقرأ باسم ربك الذى خلق}. فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذى قلت؟ فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: «جاورت بحراء، فلما قضيت جوارى هبطت، [فاستبطنت الوادى 6/ 75] , فنوديت، فنظرت عن يمينى فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئا، ونظرت أمامى فلم أر شيئا، ونظرت خلفى فلم أر شيئا، فرفعت رأسى فرأيت شيئا، (ومن طريق أخرى عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عنه قال [رسول الله - صلى الله عليه وسلم 6/ 89]: وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال فى حديثه: بينما أنا أمشى سمعت صوتا من السماء 1/ 4) فرفعت رأسي (وفى رواية: بصرى قبل السماء , فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض، فجئثت (202) (وفى رواية أخرى: فرعبت منه , حتى هويت إلى الأرض 6/ 75 - 76) , فأتيت خديجة، فقلت: دثرونى (وفى رواية: زملوني زملوني) وصبوا على ماء باردا، قال: فدثرونى , (وفى رواية: فزملوني) , وصبوا على ماء باردا , فنزلت: {يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. [وثيابك فطهر. والرجز (*) فاهجر]} [قبل أن تفرض الصلاة] , [قال أبو سلمة: (والرجز): الأوثان [التي كان أهل الجاهلية يعبدون، قال] ثم حمي الوحي وتتابع].
في هذا الحديثِ يُخبِرُ يَحْيى بنُ أبي كَثيرٍ أنَّه سأل أبا سَلَمةَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ عن أوَّلِ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، فذكر يَحيى بنُ أبي كَثيرٍ لأبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ أنَّهم يقولون: إنَّ أوَّلَ ما نزل من القرآنِ هو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، فقالَ أبو سَلَمةَ: سَألْتُ جابِرَ بنَ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، وقلتُ له مِثلَ الَّذي قُلتَ، فأخْبَرَه جابِرٌ رضِيَ اللهُ عنه أنه لا يُحدِّثه إلَّا ما حدَّثَهم به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فأخبر أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعْلَمَهم أنه جَاوَر واعتَكَف بحِراءَ -وهو جَبَلٌ على يَسارِ الذَّاهِبِ إلى مِنًى، وعلى بُعدِ ثَلاثةِ أميالٍ مِن مَكَّةَ- فلمَّا انتهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من اعتِكافِه نزل صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الجَبلِ الَّذي فيه الغارُ، فسَمِعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مناديًا ينادي عليه، قال: «فنَظَرتُ عَن يَميني فلَم أرَ شَيئًا، ونَظرتُ أَمامي فلَم أرَ شَيئًا، ونظَرتُ خَلْفي فلَم أرَ شَيئًا، فرفَعتُ رَأسي فَرأيتُ شَيئًا»، وهو جبريلُ عليه السَّلامُ، وقدْ رآهُ جالسًا على كُرسيٍّ بيْن السَّماء والأرضِ، فرُعِبَ منه -كما في روايةٍ في الصَّحيحينِ-. ثم أتى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَديجةَ رضِيَ اللهُ عنها فقال: «دَثِّروني»، أي: غَطُّوني «وصُبُّوا عليَّ ماءً بارِدًا» فاستجابوا له وفعلوا الذي أمر به، قال: فنزلَت {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}.
واستنتج جابِرٌ رضِيَ اللهُ عنه من ذلك أنَّ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} نزلت قبل الآياتِ الخَمْسِ مِن سُورةِ العَلَقِ باجتِهادِه وظَنِّه؛ فلا يُعارِض ما في الصَّحيحينِ: أن أوَّلَ ما نزَلَ مِن القرآنِ هو قولُ اللهِ تعالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}؛ فهو أوَّلُ ما نَزَل مِن القرآنِ على الإطلاقِ، أو يُقالُ: إنَّ لفظَ «أوَّل» مِن الأُمورِ النِّسبيَّةِ، فالمُدَّثِّر يَصدُقُ عليه أنَّه أوَّلُ ما نَزَل بالنِّسبَّةِ إلى ما نَزَل بَعدَه. ويحتَمِلُ أن يكونَ مُرادُه بأوَّلِيَّةِ المدَّثِرِ أوَّلِيَّةً مخصوصةً بما بعد فترةِ الوَحيِ وانقطاعِه، أو مُقَيَّدةً بالإنذارِ لا أوَّلِيَّةً مُطلَقةً.
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَببِ نُزولِ أوَّلِ سُورةِ المُدَّثِّرِ.