قتال المرتد
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها
قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق.
أولًا : التخريج
هذا الحديث متفق عليه أخرجه البخاري، ومسلم.
ثانيًا : المفردات
· قوله عصموا أي منعوا وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء.
· قوله عناقًا العناق بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز.
ثالثًا : الفوائد
1- قوله وكان أبو بكر رضي الله عنه : أي صار خليفة.
2- قوله وكفر من كفر من العرب : كفر العرب بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثلاث أحوال :
أ- أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة وأصحاب الأسود العنسي ومن كان من مستجيبيه من أهل اليمن وغيرهم وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - مدعية للنبوة لغيره فقاتلهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه حتى قتل الله مسيلمة باليمامة والعنسي بالصنعاء وانقضت جموعهم وهلك أكثرهم.
ب- الذين ارتدوا عن الدين فأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وهؤلاء أيضًا لا خلاف في قتالهم.
ت- الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الإمام، وهؤلاء الذين ناظر فيهم عمرُ ، الصديقَ رضي الله عنهم.
3- استدل عمر رضي الله عنه على أبي بكر بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"، فهذا النص دليل على أن قول لا إله إلا الله عصمة للمال والنفس، وقوله "إلا بحقه" أي بحق الإسلام كما مبين في الرويات الأخرى، من قتل نفس أو حدّ أو غرامة بمتلف أو ترك صلاة.
4- قوله أبي بكر " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" دليل على إجماع الصحابة على قتال من جحد الصلاة، وأنها من حقوق الإسلام التي يقاتل من أجلها، فاستدل أبو بكر على عمر بإجماعهم على قتال جاحد الصلاة، وقاس عليه قتال جاحد الزكاة.
5- في الحديث دلالة على أن القياس الصحيح يخصص العموم.
6- روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ" مُتفقٌ عليه.
فيتبين أن أبا بكر وعمر لم يكونا يعلمان هذا النص، وإلا لانفض النزاع من قريب.
7- فيه دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم، فمن دونهم من باب أولى.
8- لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها فلا يقال هل خفي ذلك على الإمام الفلاني؟؟؟
9- القتال في الحديث بمعنى القتل، يدل عليه قوله ( عصم مني ماله ونفسه) فنص على هدر الدم واستباحة المال.
10- في الحديث دليل على قتل المرتد، وأنه إجماع.
قوله وحسابهم على الله أي في أمر سرائرهم وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر، أو المعنى هذا القتال وهذه العصمة إنما هما باعتبار أحكام الدنيا المتعلقة بنا، وأما أمور الآخرة من الجنة والنار والثواب والعقاب فمفوّض إلى لله تعالى.
11- قال القاضي عياض يستفاد من هذه القصة أن الحاكم إذا أداه اجتهاده في أمر لا نص فيه إلى شيء تجب طاعته فيه ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه فإن صار ذلك المجتهد المعتقد خلافه حاكما وجب عليه العمل بما أداه إليه اجتهاده وتسوغ له مخالفة الذي قبله في ذلك لأن عمر أطاع أبا بكر فيما رأى من حق مانعي الزكاة مع اعتقاده خلافه ثم عمل في خلافته بما أداه إليه اجتهاده ووافقه أهل عصره من الصحابة وغيرهم وهذا مما ينبه عليه في الاحتجاج بالإجماع السكوتي فيشترط في الاحتجاج به انتفاء موانع الإنكار وهذا منها.
12- فيه الشورى، وسعة صدر أبي بكر ، وعدم مداراة عمر وسكوته عما يراه باطلًا.
13- فيه استدلال الصحابة بظاهر النص ، والإجماع، والقياس.