تعارض المصالح
بطاقات دعوية
عن ابن عباس
في قوله تعالى
{ لا تحرك به لسانك لتعجل به }
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه فقال ابن عباس فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى
{ لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه }
قال جمعه لك في صدرك وتقرأه
{ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه }
قال فاستمع له وأنصت
{ ثم إن علينا بيانه }
ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه
1- الحديث متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم.
2- قوله يعالج ، المعالجة محاولة الشيء بمشقة، وقوله مما يحرك شفتيه، أي كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين.
3- تحريك ابن عباس لشفتيه لزيادة بيان الوصف، وهو لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يحركها، لأن سورة القيامة مكية باتفاق، بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر وإلى هذا جنح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن بن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين لكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي صلى الله عليه و سلم.
4- كان النبي صلى الله عليه و سلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء، فأُمر بأن ينصت حتى يقضي إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره، ومثله قوله تعالى (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه).
5- قوله ( جمعه لك في صدرك وتقرأه) هو تفسير ابن عباس لقوله تعالى ( إن علينا جمعه وقرآنه) ، وفيه دليل أن الحفظ يكون في القلب الذي في الصدر، وفسر (قرآنه) أي قراءته يعني المراد بالقرآن القراءة لا الكتاب المنزل على محمد، أي إنه مصدر لا علم.
6- قوله فاستمع له وأنصت : الاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات السكوت ولا يلزم من السكوت الإصغاء وهو مثل قوله تعالى( فاستمعوا له وأنصتوا)، ووقوله فاستمع هو تفسير فاتبع يعني قراءتك لا تكون مع قراءته بل تابعة لها متأخرة عنها فتكون أنت في حال قراءته ساكتا والفرق بين السماع والاستماع أنه لا بد في باب الافتعال من التصرف والسعي في ذلك الفعل فالمستمع هو المصغي القاصد للسماع.
7- قوله (ثم إن علينا أن تقرأه) هو تفسير ابن عباس لقوله تعالى
( ثم إن علينا بيانه)، وفيه إطلاق البيان على الحفظ، للدلالة على أن العلم بمعاني القرآن ركن من أركان حفظه في الصدور.
8- يحتمل أن يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لما تقتضيه ثم من التراخي.
9- في الآية تقديم النقل على العقل، ، فحقَّق الله من أول الأمر أن لا يتكلم فيه بحرف، وأن لا يتعجل في تحصيل علمه وتفصيله، بل عليه أن يحفظ بقدر ما علَّمناه، وينتظرَ تفصيله فيما يأتي حسبما يريده الله تعالى شيئاً فشيئاً.
10-في الآية تقديم أعلى المصلحتين، فإن حفظ القرآن مصلحة، والإصغاء إليه وتفهم ما يراد منه مصلحة أعظم وأعلى، والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك فأمر أن لا يبادر إلى التحفظ.
11-في الآية أن الله عز وجل لا يقر نبيه صلى الله عليه وسلم على فعل المفضول، بل يرشده للأفضل.
12-مثل هذا الحديث يسمى بالمسلسل بالتحريك، لكن في الطبقة الأولى طبقة الصحابة والتابعين لقول ابن عباس: إذا حركهما كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما، وقول سعيد بن جبير: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما لا في جميع الطبقات.
13-يستحب للمعلم أن يتمثل للمتعلم بالفعل، فإنه أبلغ من القول، فكم من متعلم لا يفهم الشيء بالقول والوصف أي: لا يفهمه ولا يستقر، وإذا صور يحضره واستقر عنده.
14-في الآية دلالة على أن أحداً لا يحفظ القرآن العظيم إلا بعون الله وفضله وكرمه، قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [القمر: 17] بخلاف التوراة والإنجيل فإنه لم يكن متيسراً لحفظهما كتيسر حفظ القرآن العظيم الذي خصت به هذه الأمة المحمدية.