محاضرة 34
بطاقات دعوية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.
هذه المحاضرة هى الرابعة والثلاثون من علم العقيدة،وقد ذكرتُ فى المحاضرة السابقة عدة أمورٍ أذكرُ منها:-
- بينتُ الفرق بين طريقة الأنبياء وطريقة المتكلمين وذلك بذكرِ ثلاثة فروق.
- كذلك بينتُ معنى ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة الأعراف:180] أى فاعبدوه.
- وبينتُ قوله ﴿َادْعُوهُ﴾ فالعبد يدعو الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ويدعو غيره لعبادته تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
- بينتُ أن أهل البدع والضلال فى دينهم رقةٌ شديدة وذكرتُ أكثرَ من مثالٍ وآخرها فى المحاضرة السابقة الآمدى فإنه كان لا يًصلى قد ذكرتُ نص ذلك من سير أعلام النبلاء.
- كذلك ذكرتُ مناظرة لابن تيمية رحمه الله مع رجلين من الأشاعرة وأهمُ ما خلصُنا منها قاعدة فى غاية لاهمية اسمع جيداً افهم جيداً ثم تكلم جيداً فهذه خطوات ثلاثة اسمع المتكلم جيداً ثم افهم كلامه جيداً ثم تكلمَ جيداً وقد ذكرتُ ماذا حصُل لما قال الرجلان لابن تيمية أأنت تقول بأن الله يغضب؟
فهؤلاء يريدون أن يُلبسوا على السامعين فانظر لما سمع جيداً وفهم جيداً ماذا قال؟
أنا لم أقل القائل هو الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- كذلك بينتُ ركنىّ العمل فأىُ عمل يحتاجُ إلى قدرة وإرادة .
- كذلك ذكرتُ العلاقة بين الأسماء الحسنى والصفات العلى وبين الحلال والحرام فكلما على علمك بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى كلما كانت الاستقامة فى باب الحلال والحرام .
- بدءنا فى الصورة الأول من صور الشرك فى توحيد الربوبية وأهمها مسألة الأضرحة ذكرتُ أنموذجاً واحداً يُحتذى به وهو عن الهالك المُسمى بالبدوى وذكرتُ بعض زعموه وذكرتُ أيضاً بعض من أثنى عليه وأخصً بالذكر عبد الحليم محمود شيخ الأزهر له كتاب عنوانه (السيد البدوى رضى الله عنه) وأيضاً قدم لكتابٍ كتبه رجل يُسمى (صلاح عزام) (قطاب التصوف الثلاثة البدوى والرفاعى والقناوى) قدم له وكتب مقدمة فى غاية الخطورة وله كتاب عياذاً بالله تعالى خطير جداً هذا الكتاب اسمه (شيخ الشيوخ أبو مدين الغوث حياته ومعراجه إلى الله) أى والله هكذا عنوان الكتاب وله ايضاً كتاباً (قضية التصوف المُنقذ من الضلال).
نُكمل اليومَ إن شاء الله تعالى الصورة الأولى نسألُ الله السلامة والعافية كان آخر الكلام فى المحاضرة السابقة قوله تعالى ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [سورة الإسراء:20]
فالله عز وجل بيده العطاء ليس فى يد البدوى البدوى الذى ذكر الشعرانى كما فى الطبقات الكبرى أنه سلب الإيمان من رجل ثم رد عليه الإيمان هذه خصائص ألوهية فالله عز وجل هو الذى يُعطى هو الذى يمنع هو الذى ينفع هو الذى يضر هذا هو الذى من خصائص الله عز وجل أما أن تعطى مثل هذه الأكور لبشرٍ والعجب أنه شيعى باطنى أنا أؤكدُ ما سبق الحديث الذى روى الترمذى رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم (واعلم أن الائمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشىءٍ قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشىءٍ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)
فهذا النصُ كما ترى ما شاءه الله كان وإن لم يشئه العالمون وما شاءه العالمون لم ولن يكون إلا إذا شاءه الله تبارك وتعالىفإن الله عز وجل كتب كلُ ما سيكونُ منك بعلمه تبارك وتعالىفإنه علامُ الغيوب كتب كلُ نفعٍ ستكونُ به كتب عليك كلُ معصيةٍ ستكون بها فلم ولن يُزاد فيها خردلة فإن كان هذا هو وصفُ الإله تبارك وتعالىفأخبرونى كيف البدوى يزعمُ أنه سلب الإيمان وأرجع ثوب الإيمان بشرطٍ كما يقول هذا أمرٌ فى غاية الخطورة.
إبراهيم عليه السلام يقول ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [سورة البقرة:128]
إذاً من الذى يجعلُ هذا مسلماً ويجعلُ هذا كافراً أنا أدرى ان الجعل نوعين كما سيأتى ولكن أنا أسئل من الذى يجعلُ ؟
الذى يجعل هو الله عز وجل وهذا ليست فى مقدور خير البرية وهو محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [سورة القصص:56] الله عز وجل هو الذى يجعلَ المصلى مصلياً لذلك قال ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [سورة إبراهيم:40] الله عز وجل هو الذى جعل أئمة الهدى وهو الذى جعل أئمة الكفر جعل أئمة الهدى فقال ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [سورة الأنبياء:73]
وهو تبارك وتعالى الذى جعل أئمة الكفر ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [سورة القصص:41]
كلُ هذه تبين أن كل شىءٍ فى يد الله عز وجل وليس فى يد أحدٍ مهما إن وصلت رتبته من الصلاح بل وصلت رتبته من الرسالة كنبينا صلى الله عليه وسلم أن يملكَ شيئاً واحداً من هذه الأشياء فنبينا صلى الله عليه وسلم لا يملكٌ لنفسه أصلاً نفعاً ولا ضراً وإلا لو كان ينفعُ نفسه اخبرونى كيف أُصيب يوم أحد أخبرونى كيف حُصر يوم حنين وكاد يُقتلُ فى المعركتين أمرٌ فى غاية الأهمية فيجبُ أن يُنتبهَ لذلك والله عز وجل يقول
﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة الصافات:96:95]
فى الحقيقة هذه النصوص فيها جمهرة من المسائل اذكرُ ثنين منها أوثلاثة على أقصى تقدير :
المسألة الأولى / ما الفرقُ بين الجعل فى آية الأنبياء وبين الجعل فى آية القصص
آية الأنبياء ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾
وآية القصص ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾
اعلم يرحمُك الله أن الجعل نوعين جعلٌ دينىٌ شرعى وجعلٌ قدرىٌ كونى
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾
فهذا هو الجعلٌ الدينى الشرعى
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾
فهذا الجعل هو الكونى القدرى
ولكن اعلم أن الجعل الأول آية الأنبياء ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾
لابد وأن يتوفر فيه الجعلان جعلٌ دينىٌ شرعى وجعلٌ قدرىٌ كونى
أما فى باب المعصية ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾
انفرد الجعلٌ القدرىّ الكونىّ لذلك لابد وأن تنبه إلى هذه القضية فى عموم كتاب الله عز وجل لو نظرت إلى الأمر يوجد أمرٌ دينىٌ شرعى وأمرٌ قدرىٌ كونى إرادة دينية شرعية إرادةٌ قدرية كونية وهلم جرا.
لذلك الذى لم يفهم هذا الكلام آتى بالعجاب عند مثلاً تفسير قول المولى عز وجل ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [سورة الإسراء:16] جاء عند أمرنا مترفيها هو يعلم أن الله عز وجل لا يأمر بالمعصية أبداً فكانت النتيجة أمرنا مترفيها أثبت محذوفاً وياليته أثبت محذوفاً أثبت محذوفين وهذه عجيبة على لغة العرب فقال أمرنا مترفيها بالطاعة فلم يمتثلوا فدمرناها ما هذا الكلام (متى أمكن تصحيحُ الكلام بلا تقديرٍ محذوف تعين بإجماع أهل اللغة )
وهنا الأمر يسير﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [سورة النحل:90]
فهذا أمرٌ دينىٌ شرعىّ
﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾
هذا كونىٌ قدرى وفى باب الخير يجتمع الدينى الشرعى مع الكونى القدرى حتى يكون عيناً،
وأما فى المعصية ينفرد الأمر الكونى القدرى فيكونُ عيناً وهلم جرا فى كل المسائل التى هى من هذا الجنس وسنبينها بشىٍ من التفصيل فى كلامنا عن القدر .
المسألة الثانية / قال تعالى ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الصافات 96:95]
فاعلم أن الله عز وجل خلق كل صانعٍ وصنعته فخلق المهندس والهندسة والطبيب والطب والكهربائى والكهرباء وهلم جرا.
الله عز وجل خلق كل شىء ولا يُستثنى من ذلك شىءٌ.
المسألة الثالثة / أن النفع والضُر بيد الله عز وجل وهو الذى خلقهما وهما مكتوبان فى حقِ كل أحدٍ كما فى حديث ابن عباس رضي الله عنهماأى كتب سبحانه وتعالى ما سيكونُ منك فهو اللطيف الخبير علامُ الغيوب فالله عز وجل يكتبُ هذا ويكتبُ ذاك وإن كان الخيرُ بيده تبارك وتعالىفالشرُ من مفعولاته على تفصيلٍ سيأتى إن شاء الله تعالى ولكن هنا يتولد السؤال الكبير بعدما تكلمنا وذكرنا فى توحيد الربوبية الشىء الكثير جداُ وذكرتُ هذه الصورة وما فيها عياذاً بالله تعالى من ضلال
أبدء وأقول كيف نتصور هذه الصورة من الشرك ؟
أقول انظر إلى المعطى الأول من هو؟
هو الله تبارك وتعالىانظر إلى من وفق فى الإعطاء ؟
الجوابُ هو الله تبارك وتعالىيعنى ماذا؟
الله عز وجل أعطاك مالاً من المعطى ؟
الله عز وجل هذا المال صرفته فى مصارفه الشرعية من الذى وفقكَ إلى هذا؟
هو الله تبارك وتعالىفطالما أن المعطىَّ الأول هو الله تبارك وتعالىوالمُوفِق للإعطاء هو الله تبارك وتعالىإذاً هو سبحانه وتعالى الأولُ والآخر فأين الشريك؟
أين المُعطى معه؟
أين النافعُ معه؟
أين الضار معه؟
فالله عز وجل هو النافع الضار بل أقولُ أين الخافض والرافع معه؟
فإن كان الجواب لا أحدَ تعين أنه لا شريكٌ مع الله fلا فى صغيرةٍ ولا كبيرة.
أؤكدُ هذا المعنى أعنى التخلص من هذه الصورة من الشرك يقول المولى تبارك وتعالىكما فى آيتى آل عمران ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [سورة آل عمران:27:26]
فالملكُ كلهُ بيد الله عز وجل ولا أحد يملكُ شيئاً من دون الله عز وجل ولو كان ذرةً لا فى السماوات ولا فى الأرض والله يُملكُ ما شاء لمن شاء فلا طاقة لأحدٍ من دون الله عز وجل وينزعُ من شاء ممن شاء فلا قدرةً لأحدٍ أن ينزع ما لم يشئه المولى تبارك وتعالىالآية تُبين أن العزةَ والذلَ لا يكونان إلا بمشيئة الله فمن شاءه الله تبارك وتعالىجعله عزيزاً فالخيرُ بيده ومن شاءه جعله ذليلاً والشرُ لم ولن يكونَ إلا بمشيئته فإنه من مفعولاته تبارك وتعالىوكذلك ذكر فى الآية تقليبُ الليل والنهار فلا يذهبُ ليلٌ ولا يأتى نهارٌ إلا بمشيئته تبارك وتعالى كذلك يُخرج الحىَّ من الميت ويُخرج الميت من الحى والرزقُ بيده تبارك وتعالىلا بيد غيره هاتان الآيتان فى الحقيقة فيهما كمٌ من المسائل الشىء الكثير ولكن أذكر بعضها على عُجالة:
المسألة الأولى / أثبت اله عز وجل لنفسه أنه مالك المُلك فلا أحد يملكُ ذرة فى كونه هذه واحدة أى يستقلُ بها ولا أحد يشاركه فى ذرة من كونه ولا أحد يعينه على إدارة ملكه وقد بينتُ هذه بشىءٍ من التفصيل فيما سبق فلا معنى للإعادة فأنت كعبدٍ مستحيل أن تستقلَ بشىءٍ بل لابد لكل سبب وهذه ستأتى فى توحيد الألوهية لابد لكل سبب من شريك لا يوجد أن شيئاً يُخلق على سببٍ واحد فالله عز وجل خلق من كل شىءٍ زوجين لا يُمكن يوجد شىء على سبب واحد لابد لكل سبب من شريك وإن شئت سميته بالسبب التام أى عدة أسباب متعددة ولابد مع الشريك من انتفاء المانع ووالله لو وُجد السبب ووجد الشريك وأنتفى المانع لم ولن يحدث الأمر عيناً إلا إذا أذن الله تبارك وتعالىفى وجوده السحاب موجود مُحمل بالمياه والمنخفض الجوى موجود وكما يقولون فى العلم الشرارة الكهربائية موجود لا يوجد مطر ينقشع فإذا بالشمس تسطُع فى السماء لم يأذن المولى عز وجل فهذه فى غاية الأهمية قد تأخذُ بالسبب ويجتمعُ معه سببٌ آخر وهو الشريك وينتفى المانع وتخسر فى التجارة ما المشكلة لم يشأ الله عز وجل لك الربح.
المسألة الثانية / قوله تعالى ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾ قد يتوهم المُتوهم أنه إذا مَلِك أستقل بما مَلَك وهذه أكذوبة كبيرة كما قال الهلكى ورثناها كابرٌ عن كابر هذه عياذاً بالله تعالى كذبة كبيرة لذلك المولى عز وجل دفع هذا التوهم فلما قال ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾ حتى لا يتوهم مُتوهم أنه إذا مُلِك أصبح مستقلاً بما يملك فإذا به يقول ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾ أى متى شاء نزعه كما متى شاء أتى به لك.
المسألة الثالثة / قوله تعالى ﴿وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ أيضاً إذا أعز الله عز وجل أحداً قد يتوهم أنه أستقل بهذه العزة ولا تُدفع بأى وجهٍ من الوجوه فإذا به تبارك وتعالى يدفع هذا الوهم والتوهم فقال ﴿ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ أى تنزعُ منه هذا المُلك لأن هناك علاقة بين المُلك وبين العزة كما سيأتى إن شاء الله تعالى.
فما سبق يدلُنا على أن الله عز وجل دفع هذا التوهم دفع أسباب ماذا؟
اسباب الكبر اسباب البخل اسباب التجبر عياذاً بالله تعالى لأن الإنسان لو أمتلك ثم أوهم نفسه بأنه أستقل بالمِلك وأنه لا يُنزع منه أصابه الكبرُ والتخبر والبخل عياذاً بالله تعالى فمن تكبر بعدما سمع قول المولى ﴿وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ﴾ فهذا عياذاً بالله تعالى مُتوعدٌ بأشدّ العقوبة وإن شئت مثالاً عندك (قارون) لذلك لا تجدُ بخيلاً أبداً إلاوهو جبان لذلك لابد وأن تنتبه وأنت تقراُ فى الآيات والأحاديث وأخصُ بالذكر بعض الأحاديث نبينا قرن بين شيئين (اللهم إنى أعوذ بك من الجبن والبخل) أخوان لا ينفكان فأعلم أنه ما من كريمٍ إلا وهو شجاع ولا يُمكن أن يفترقا بأى حالٍ من الأحوال لذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعوذُ من الجبنِ والبخلِ وهذاحديثٌ عند أبى داوود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
مما لا شك فيه توجد مسائل كثيرة ولكن على عُجالة أُبين أن البخلَ نوعان:
النوع الأول / منعُ الفائض يعنى عندك شىء فائض عن عوائجك ومن تعول فتمنعهُ هذا هو المُراد فى الحديث كان يتعوذُ من الجبنِ والبخل.
النوع الثانى / منع ما لا صبرَ على تركه وهذا جبلى قد يحصل أى أن الإنسان يجمعُ فإن سألته لما تجمع؟ قال لأبنى ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذىُ عن خولة ابن حكيم رضي الله عنه (إن الولدَ مبخلةٌ مجبنةٌ مجهلةٌ محزنة) أربعُ صفات نسألُ الله السلامة والعافية.
المسألة الرابعة / أن العزةَ تتبعُ المُلك انتبه لهذا الكلام ماذا أعنى تتبع المُلك؟
فبقدرِ مُلكك بقدر عزتك فسمى ملك مصر عزيز مصر ولكن المُلك الذى بأيدى أى أحد له عزة هذه العزة تناسبُ هذا المُلك وملكك كم ؟
لا يساوى شيئاً وأنتم تعلمون بأن الله مالكُ المُلك كلُ شىءٍ بيده ومالكُ لكل شىء فتعين أن العزةَ لله جميعاً.
المسألة الخامسة / أن المُلك كلهُ بيدى الله عز وجل كما سبقَ والعزةَ كلها لله عز وجل فمن أُعطى ملكٌ وعزة فليعلم أنهما بفضلِ الله ورحمته ومن مُنع منهما فليعلم أنها بعدله وحكمته لذلك قال تبارك وتعالى (بيدك الخير) تتولدُ هنا مسألة وهى
المسألة السادسة / الإعطاءُ خيرٌ والمنعُ خير نعم نحنُ نظن أن المنعَ شرٌ كبير وأخصُ بالذكر نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم المرض ولكم هل يتصور المريض أنه لو قام من مرضه هل يعلم بأن الله أبدله دماً غيرَ دمه ولحم غير لحمه يعلمُ ذلك أم لا؟
فإن كان يعلمُ ذلك إذاً فى حقيقة الامر المرض ليس شراً وإن كان شراً بالنسبةِ لنا ولكن حقيقتهُ ليس من باب الشر وإن كان من مفعولات الله عزوجل لذلك انظر إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه مسلم عن صهيب الرومى رضي الله عنهقال قال صلى الله عليه وسلم (عجباً لأمر المؤمن إن أمرهُ كلهُ خير) إذاً لما قال إن أمره كله خير تحت أى تقدير فيه نفع خير فيه شر من وجهة نظرنا خير إن أصابه ما يحبُ حمد الله وكان له خيرٌ وإن أصابه ما يكرهه فصبرَ كان له خير وليس كلُ أحدٍ أمرهُ كلهُ خير إلا المؤمن فهذا وصفٌ وفقط لمن ؟
للمؤمنين.
الذى يدلُكَ على أن المنعَ خيرٌ من جميعِ جوانبه وبفرضِ وجودِ بعضِ الألم فهذا الألمُ مما لا شك فيه يذوبُ فى بحر الخيرات وعلى فكرة هذا مضطرد فى جميع الصناعات التى على وجه الأرض وليس فى العبادات فقط نعم القائمُ بين يدىَّ الله قد يتورمُ قدماه هذا ألم يشعر ببعض المشقة ولكن هذه المشقة فى الخيرات التى تُحصلِهُا فى الدنيا والآخرة والسعادة التى اتشعُر بها فى الدنيا والآخره هذه المشقة كم تساوى؟
لا تساوى شيئاً بل هى تذوبُ فى هذه الخيرات لذلك لابد وأن يُنتبه إلى هذا الباب فإنه فى غاية الأهمية لذلك روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهماقال صلى الله عليه وسلم )ما من مسلمٍ يُصابُ فى جسده إلا أمر الله تعالى الحفظة أكتبوا لعبدى فى كل يومٍ وليلة من الخيرِ ما كان يعملهُ مادام محبوساً فى وثاقه )
يعنى ماذا؟
أنت رجلٌ صحيحٌ مقيمٌ كما فى النصوص الآخرى تصلى الصلوات الخمسة فى المسجد تصوم تقومُ الليل تفعلُ كذا وكذا وكذا أُصبتَ بمرضٍ صليت فى البيت ولم تصلى فى المسجد جلستَ ولم تقوم لم تقم الليل انظر ماذا يقول المولى عز وجل؟
اكتبوا لعبدى فى كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمله أى ماكان يعمله حال كونه صحيحاً مقيماً مادام محبوساً فى وثاقه وهذا الأجر أعنى المذكور فى الحديث هو أجرُ الفرض وقد عقدتُ مقارنة كبيرة جداً على ما أذكرُ فى أصول الفهم بين أجر العمل وأجر الفرض فانتبه لذلك لأن التخليط بينهما مشكلةٌ كبيرة جداً جداً جداً كما بينتُ فى مكانها.
فإن تبين جميع ما سبق وعُلم على سبيل القطع أن الله على كل شىءٍ قدير وأن كل شىءٍ بيده تبارك وتعالىوأن الخير كله بيده تبارك وتعالى لذلك تعين علينا جميعاً أن نقرأ آية آل عمران ونقفُ عندها طويلاً وننظر فى عملنا هل نحن نعملُ بمقتضاها أم لا؟
ما هذه الآية ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [سورة آل عمران:28]
لما نتخذ الكافرين أولياء؟
بل لما نستعينُ بالمشركين على المسلمين؟
مع أن الله عز وجل أمرنا ألا نستعين بالمشركين على المشركين (وقصتها فى بدر معروفة من القوم قالوا فلان قال أأسلموا قالوا لا قال صلى الله عليه وسلم إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين)
فاخبرونى ياقوم كيف نستعينُ بالمشركين على المسلمين؟
أمرٌ عجيب نسأل الله السلامة والعافية من الخذلان بعد الهدى إن كنتَ تعلمَ علم اليقين بأن الله هو الأول وهو الآخر وهو الظاهر وهو الباطن وهو النافع الضار وهو الخافض الرافع وهو المُعز المذل تذهب لغيره لما؟
وتذهبُ إلى غيرِ أولياءه لما؟
﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [سورة البقرة:120]
والله لو فعلت ما فعلت وستأتى عن قريب قصة حصلت قريباً مجرم من المجرمين الملاحدة يُسمى بريان بيدان إن شاء الله تعالى سأذكرُ قصته مُلحد انتحر وترك رسالة فى غاية الخطورة أُهديها إلى كل ملحدٍ فى بلادنا وفى غيرِ بلادِنا هذه هى حقيقتكم ولكن كما ترى فى هذه الآية أن الله عز وجل أستثنى صورةً وهى إلا من خاف فى بعض البلدان أو بعض الأوقات من شرهم أمر فى غاية الخطورة لأنه قال ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ والتقية هنا ليست هى تقية الشيعة ولا تقية الزنادقة ولا تقية الأشاعرة ولا تقية جميع المتكلمين بلا استثناء لا هذه تقية مع الكافرين وليست مع المسلمين تقيةُ الشيعة تقية الأشاعرة والمتكلمين تقية الزنادقة يفعلونها مع المسلمين والأمر غريب فى الحقيقة لذلك استثنى الله عز وجل فله من وقع فى بلدٍ من البلدان فيها مثلَ ذلك أو فى وقتٍ من الأوقات مثل ذلك فله أن يتقيِهم ولكن بظاهرهِ لا بباطنه ونيته ومثال ذلك عن أبى الدرداء رضي الله عنهموقوفاً كما عند البخارى رحمه الله باب المداراة مع الناس (إنا لنَكْشِرُ في وجوه أقوامٍ وإن قلوبنا لتلعنهم)
أمرٌ فى غاية يبتسم فى وجه أقوام ولكن القلوب تلعنهم ولكن مما لا شك فيه لابد وأن يكونَ لنا وقفة هنا هل الناسُ فى مثل هذه الأمور سواء؟
الجوابُ لا، فلإن كنتَ ذا رأىٍ إن كنت من أهل العلم إن كنت متصدراً للدعوةِ فيجب ألا تترخص بهذه الطريقة وتبيع دينك بهذه الطريقة ياآخى ريح نفسك ولا تتكلم أبداً وأجلس فى بيتك أما أن لا تكف عن الكلام وتكونُ النتيجة وحلٌ من الطين عياذاً بالله تعالى ولذلك سؤ نية هؤلاء تظهرُ فى ماذا؟
ياآخى قل ما يدفعُ عنك الشر أما أن تتهمَ غيركَ بالباطل والله إنها لمصيبةٌ فى الدنيا والموعدُ فى الآخرة إن شاء الله تعالى هذه فى غاية الأهمية لذلك ابن عباس رضي الله عنهمايقول (ليس التقةُ بالعمل إنما التقيةُ باللسان) قلتُ وهذا ذُكر عن الحسن عند البخارى رحمه الله يقول (التقيةُ إلى يومِ القيامة) إذاً إن كنتَ من عوام الناس ترخص من قريب، إن كنت من المتصدرين وضغط عليك الأمرُ ترخص من بعيد ولكن لابد من طائفة أن تقف وإن قُتلت ولنا فى ذلك أمثلةٌ لا تنتهى أين مات ابن تيمية رحمه الله ؟ أين مات احمد ؟ أين مات ابو حنيفة؟ أين مات ؟
وهلم جرا لا أولُ لهم ولا آخر فما بالك بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نتذكرُ ماذا فُعل ببلال؟
نعم، أنا أدرى ماذا فُعل بعمار لذلك قسمتُ هذا التقسيم، العجب أن من يصمد يجد أن من وقع فى الفخ يقول ما كان يأخذ بالرخصة رخصة ماذا يرحمك الله ربنا يهديكم.
الآية التى بعدها مباشرة ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾
انظر
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾
أى يحذركم نقمته أى مخالفته وسطوته فى عذابه لمن والى أعداء الله عز وجل وعادى أولياء الله عز وجل ثم ختمت الآية بما هو متوقع
(وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(
فإليه المرجع والمنقلب فيجازى كل عاملٍ بعمله ، لذلك أقول أما آن الأوان لنعمل بقوله تعالى (كتب الله لأغلبن أنا ورسلى )
نعم، من تمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً مما لا شك فيه فهو داخلٌ تحتَ هذه الآية فقط لا الطرف الثانى تولاه الله عز وجل لذلك ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [سورة آل عمران:141]
إذاً فى حقيقة الأمر الله عز وجل على الكافرين ومعك والعجب أن محقَ الكافرين له فى كتاب الله وسيلتان ولابد وأن تجتمعَ وإلا ما حصُل المطلوب أن الكافرين يفعلون ما يجهضون به أنفُسهم فلو رُفعت يدُ المسلمين عليهم اجتمع عليهم يدان ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الحشر:2]
أتوجد بشرى ياقوم أفضلَ من ذلك؟
المجرمون يُخربون بيوتهم بأيديهم فأين أيدى المؤمنين؟
انشغلنا بأمور أُخر أقول يامن تُركت إمهالاً لا إهمالاً يامن تُركت إمهالاً لا إهمالاً أين ستذهبُ والله عز وجليقول ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [سورة التكوير:26] والله عز وجل يقول ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [سورة الأنعام:94] لذلك يحضرنى هنا قصة هذا المجرم الذى مات من يومين رجل أصله مغربىّ ويعيش فى بلجيكا اسمه ريان بيدان هذا المُجرم انتحر فى شقته فى بلجيكا وهذا أمر متوقع معلوم وأئئمته فعلوا ذلك قبله ولكن أنا أريدُ أن أقرأ عليكم الرسالة التى تركها قبل أن يموتَ مباشرة أى قبل أن ينتحر يقول:
(ألحدت-هذا نص كلامه- وشربت الخمر،وأكلتُ لحم الخنزير، ومع ذلك لم يرضى عنى الغرب لقد استعملونى كأداةٍ لمحاربة الإسلام وبعد أن انتهت حاجتهم منى-انتبه – توقفوا عن تمويلى ورمونى مثل الفأر لا تسألونى عن سبب انتحارى فكل شىءٍ أصبح واضحاً مع السلامة)
قلتُ لا سلمك الله يارخيص وعلى لغة المصريين (فى ستين داهية) لو عادوا لتمويلك يارخيص ما أنتحرتَ فهذه هى القضةُ الكبرى يامن تدعونا إلى الإلحاد فى بلادنا وفى خارج بلادنا وأعنى من هم من جلدة المسلمين التمويل التمويل الشيكات هى هذه حقيقةُ الأمر ووالله وبالله وتالله لو فعلتَ ما فعلتْ لم ولن يرضوا عنك انظر ومع ذلك (لم يرضى عنى الغرب) الله عز وجل يقول (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [سورة البقرة:120] ورب الكعبة لو اتبعت ملتهم أيكون رضى ؟ رضى ناقص سيجعلونك من الدرجة الثانية هذه هى الكارثة الكُبرى التى نعيشُ فيها نسألُ الله السلامة والعافية
أكتفى بهذا القدر وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.