مسند أبي هريرة رضي الله عنه 343
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا محمد، عن عياض بن دينار، عن أبيه، أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة من أمتي تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أشد نجم في السماء إضاءة»
في هذا الحديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهلَ الجنَّةِ جميعًا بالحُسنِ والجمالِ، وأنَّهم يَتفاوَتونَ في ذلك حسَبَ درجاتِهم وأعمالِهم، كما يُبيِّن علاماتِ الساعةِ الصُّغرى والكُبرى، ويُوجِّه المسلمين إلى عَملِ الطاعاتِ استعدادًا للساعةِ؛ فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أولُ زُمرةٍ من أُمَّتي تدخُلُ الجنَّةَ"، أي: أولُ طائفةٍ تدخُلُ الجنَّةَ، "على صُورةِ القَمرِ ليلةَ البدْرِ"، أي: يكونون حِسانَ الوُجوهِ، بحيثُ تكونُ وجوهُهُم كالبدْرِ التامِّ، وليلةُ البدْرِ: هي ليلةُ الرَّابعَ عَشرَ حين تَكمُلُ استدارتُه، ويَتِمُّ نورُه، فيكونُ أكثرَ إشراقًا، وأعظَمَ حُسنًا وبهاءً، "والتي تليها" أي: الطَّائفةُ الثَّانيةُ "على أشدِّ نجْمٍ في السَّماءِ إضاءةً"؛ فإنَّها تُشبِهُ في صورتِها أقْوى الكواكبِ نورًا وضياءً، "وفي الجُمُعةِ"، أي: يومِ الجُمُعةِ، "ساعةٌ"، وهي الجزءُ من الوقتِ، "لا يوافِقُها"، أي: يُصادِفُها، "عبدٌ مسلمٌ قائمٌ يصلِّي يسألُ اللهَ فيها شيئًا"، أي: يَدعُو ويَطلُب من اللهِ عزَّ وجلَّ حاجتَه، وهو في صَلاتِه، "إلَّا أعطاه إيَّاه"، أي: استَجَاب اللهُ عزَّ وجلَّ له وأعطاه سُؤلَه. وقد ورَد في تحديدِ تلك السَّاعةِ -عندَ أبي داودَ والنَّسائيِّ من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما- قولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فالتمِسوها آخِرَ ساعةٍ بعدَ العصرِ"؛ وكذلك ورد في تحديد وقتها ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ ) . ولعلَّ ذِكرَ الجُمُعةِ هنا وساعةِ الإجابةِ التي فيها؛ لأنَّ القِيامةَ تقومُ يومَ جُمُعةٍ؛ فلا بُدَّ للمُسلمِ أنْ يَغتنِمَ كلَّ جُمُعةٍ في الدُّعاءِ والتضرُّعِ لله؛ فإنه لا يدري في أيِّ جُمُعةٍ تقوم، فإنْ قامتْ كان هو في ذِكْر ودعاءٍ، فلعلَّه ينجو
قال أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه: "قال أبو القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، وهي كُنْيةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تقومُ الساعةُ"، أي: يومُ القيامةُ، "حتى يُقبَضَ العِلْمُ"، أي: يُنزَع العِلْمُ من الأرضِ، وقد فُسِّر في بَعضِ الرِّواياتِ بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَنزِعُه من صُدورِ النَّاسِ، بل يَنْزِعُه من الأرضِ بمَوتِ العُلماءِ، "وتَظهَرَ الفِتنُ"، مِثْلَ فِتْنةِ الدِّجالِ وغيرِها، "ويَكثُرَ الهَرْجُ، قالوا: وما الهرْجُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: القَتْلُ"، أي: تَكْثُرَ استباحةُ الدِّماءِ التي حرَّمها الله عزَّ وجلَّ، وقد ورَدَ في رِوايةِ أحمدَ من حديثِ أبي مُوسَى الأشعريِّ رضِيَ اللهُ عنه تفصيلٌ لأنواعِ هذا القَتْلِ الذي يَقعُ، وفيه قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّه ليس بقَتْلِكم الكُفَّارَ، ولكنَّه قَتْلُ بَعضِكم بَعضًا حتَّى يَقتُلَ الرَّجُلُ جارَه، ويَقتُلَ أخاه، ويَقتُلَ عمَّه، ويَقتُلَ ابنَ عَمِّه"
وفي الحديثِ: دُخولُ أهلِ الجنَّةِ إليها جماعةً بعدَ جماعةٍ
وفيه: إخبارٌ ببَعضِ أُمورِ الغَيبِ