مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1019
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات ليلة يصلي في حجرته، فجاء أناس من أصحابه فصلوا بصلاته فخفف، ثم دخل البيت، ثم خرج ففعل ذلك مرارا، كل ذلك يصلي وينصرف، فلما أصبح قالوا: يا رسول الله، صلينا معك البارحة ونحن نحب أن تمد في صلاتك، فقال: " قد علمت بمكانكم، وعمدا فعلت ذلك " (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَجْتهِدُ في عِبادَةِ ربِّه اجتِهادًا عظيمًا، ومع ذلك كان يُحِبُّ التَّخْفيفَ على أُمَّتِهِ خَشيةَ ألَّا يَسْتَطيعوا القِيامَ بأَثْقالها.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي ذاتَ ليلةٍ في حُجْرَتِهِ"، أي: يُصلِّي قيامَ اللَّيْلِ، وفي رِوايةِ البُخاريِّ من حديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه: "احْتَجَرَ حُجَيْرةً مُخَصَّفَةً"، أي: جاءَ بِثَوْبٍ أو حَصيرٍ واقْتَطَعَ به مكانًا مِنَ المسجدِ، وصَنَعَ به مِثلَ الحُجْرةِ الصَّغيرةِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخْرُجُ إلى هذه الحُجْرةِ يُصلِّي فيها؛ "فجاءَهُ أُناسٌ فَصَلَوْا بصَلاتِهِ"، أي: صَلَوا معه، واتَّخَذوهُ إمامًا لهم "فخَفَّفَ"، أي: خفَّف الصَّلاةَ "فدَخَلَ البَيْتَ"، أي: دَخَلَ بيْتَهُ عندَ أزْواجِهِ، "ثم خَرَجَ فعادَ مِرارًا كُلُّ ذلك يُصلِّي، فلمَّا أصْبَحَ قالوا: يا رسولَ اللهِ صَلَّيْتَ"، أي: صَلَّيْتَ بنا صَلاةً خَفيفةً، "ونحن نُحِبُّ أن تَمُدَّ في صَلاتِكَ"، أي: تُطيلَها، "قال: قد عَلِمْتُ بِمَكانِكُم"، أي: قد عَلِمْتُ ما فَعَلْتُموهُ من الاقْتِداءِ بي في صَلاةِ اللَّيْلِ، "وعَمْدًا فَعَلْتُ ذلك"، أي: وتعمَّدْتُ التَّخْفيفَ، وفي رِوايَةِ البُخاريِّ من حديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لهم: "ما زالَ بكم صَنيعُكم حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُكْتَبُ عليكم"، يعني: أنَّني ما أَزالُ أراكُمْ مُصرِّينَ على الخُروجِ والصَّلاةِ في ذلك الوقْتِ حتَّى خَشِيتُ أنْ يَكْتُبَها اللهُ عليكم، فتُجْهِدَكم بعدَ ذلك، "فعليكم بِالصلَّاةِ في بُيوتِكُم؛ فإنَّ خيرَ صَلاةِ المَرْءِ في بيتِهِ إلَّا الصَّلاةَ المكتوبةَ"، أي: إنَّ أفْضَلَ صَلاةِ الرَّجُلِ الَّتي تكونُ في بَيْتِهِ، حيثُ يَطرُدُ الشَّيطانَ منه، ولا يكونُ خَرِبًا، ويَقتَدي بِصلاتِهِ أهْلُهُ، إلَّا الصَّلاةَ المفروضةَ؛ فإنَّها تكونُ في المسْجِدِ.