مسند أبي هريرة رضي الله عنه 542

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 542

حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه [ص:136]، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فهم لنا فيه تبع، فاليهود غدا، والنصارى بعد غد»

نبيُّنا محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو خيرُ الأنبياءِ، وأُمَّتُه خيرُ الأُممِ

وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ فَضائِلِ أُمَّتِه على الأُمَمِ السابقةِ، ويُعَدِّدُ بعضَ صِفاتِها وأوصافِها الَّتي تَتميَّزُ بها على تلك الأمَمِ، فيُخبِرُ أنَّه وأُمَتَّه هم الآخِرونَ في الزَّمانِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخِرُ الأنبياءِ والرُّسلِ، ولا نَبيَّ بعْدَه، ولكنَّهم السَّابِقونَ في الفَضْلِ والفَضيلةِ يَومَ القِيامةِ على الأُمَمِ السَّابقةِ مِن أهلِ الكِتابِ، بحَيثُ يَكونون بعْدَها في الحِسابِ والقَضاءِ ودُخولِ الجنَّةِ، ثمَّ يُشيرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أهلِ الكِتابِ اليهودِ والنَّصارى بأنَّهم أُوتوا الكِتابَ، والمرادُ بالكتابِ: التَّوراةُ والإنْجيلُ مِن قَبْلِنا، وأنَّنا أُوتينا القُرآنَ العَزيزَ الذي هو أعظمُ الكُتُبِ التي أنزلَها اللهُ تعالَى إلى عِبادِه- مِن بَعدِهم.ثمَّ أشارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى يَومِ الجُمعةِ، وأنَّ هَذا اليَومَ اخْتَلَف فيه أهلُ الكِتابِ مِن قَبْلِنا بعْدَ أنْ عُيِّنَ لهم، وأُمِروا بتَعْظيمِه، فتَرَكوه وغَلَّبوا القياسَ؛ فَعَظَّمَت اليَهودُ السَّبتَ لِلفَراغِ مِن الخَلْقِ، وظَنَّت ذلك فَضيلةً تُوجِبُ عِظَمَ اليَومِ، وعَظَّمَت النَّصارى الأحَدَ؛ لَمَّا كان ابتِداءُ الخَلْقِ فيهِ، فهَدانا اللهُ إلى يومِ الجُمُعةِ بالوَحْيِ الوارِدِ في تَعظيمِه، أو بالاجتِهادِ المُوافِقِ لِلمُرادِ؛ فالسَّبتُ لِليَهودِ، والأحدُ لِلنَّصارى.وقيل: إنَّه لَمَّا تَخيَّرتِ اليهودُ السَّبتَ، والنَّصارى الأحدَ، وهَدانا اللهُ لِيَومِ الجُمعةِ -وهو سابقٌ لليومَينِ- سبَقْناهم في الدُّنيا، ونَسبِقُهم في الآخرةِ.ثُمَّ بَيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه حَقٌّ على كُلِّ مُسلِمٍ -والمرادُ به: المُكلَّفُ- أنْ يَغتَسِلَ في كُلِّ سَبْعةِ أيَّامٍ يَومًا، وهو يَومُ الجُمُعةِ، يَغسِلُ فيهِ رَأسَه وجَسَدَه، والمرادُ بالاغتِسالِ: تَعميمُ الجسَدِ والرَّأسِ بالماءِ طَلبًا لِلطَّهارةِ والنَّظافةِ، فالإنسانُ مَأمورٌ -في أقْصى تَوقيتٍ له- أنْ يَغتسِلَ بالماءِ كلَّ سَبعةِ أيَّامٍ، وإنَّما خصَّ الرَّأسَ بالذِّكرِ وإنْ كان الجسَدُ يَشمَلُه؛ لِلاهتِمامِ به