مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1223
مسند احمد
حدثنا عارم، وعفان، قالا: حدثنا معتمر، قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أنس بن مالك، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم: أن الرجل كان جعل له - قال عفان: يجعل له - من ماله النخلات، أو كما شاء الله، حتى فتحت عليه قريظة، والنضير، قال: فجعل يرد بعد ذلك، وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأسأله الذي كان أهله أعطوه، أو بعضه، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن، أو كما شاء الله، قال: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو، لا يعطيكهن وقد أعطانيهن. أو كما قالت، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " لك كذا وكذا " وتقول كلا والله. قال: ويقول: " لك كذا وكذا ". قال: حتى أعطاها، فحسبت أنه قال: عشر أمثالها، أو قال: قريبا من عشرة أمثالها. أو كما قال (1)
أحَلَّ اللهُ سُبحانَه وتعالَى لنَبيِّه قَبولَ الهَديَّةِ، وكان أصْحابُه يُسارِعونَ في إهْدائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ مُواساةً له، وتَقرُّبًا إلى اللهِ تعالَى بذلك.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الرَّجلَ مِن أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَجعَلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّخَلاتِ، أي: يُخصِّصُها له؛ ليَأخُذَ ثِمارَها، وهذا مِن بابِ الهَديَّةِ، لا مِن بابِ الصَّدَقةِ؛ لأنَّها مُحرَّمةٌ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فلمَّا فتَحَ اللهُ على المُسلِمينَ قُرَيْظةَ والنَّضيرَ، واتَّسعَتِ الأرْزاقُ؛ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يرُدُّ على صاحبِ كلِّ نَخلٍ ما أهداهُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيث كان اليَهودُ يَملِكونَ أرْضًا وزِراعةً، ونَخيلًا في المَدينةِ، فصارَتْ للمُسلِمينَ بعْدَ جَلائِهم، وكان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَصيبٌ منها، بعْدَ أنْ قسَّمَ أرضَ بَني النَّضيرِ على المُهاجِرينَ، فصار عندَه ما يُغْنيه ويُغْني فُقَراءَ المُسلِمينَ. وبَنو قُرَيْظةَ وبَنو النَّضيرِ قَبيلَتانِ مِن قَبائلِ اليَهودِ، كانَتا تَسكُنانِ المَدينةَ النَّبويَّةَ قبْلَ هِجْرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليها، ولَمَّا هاجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ عقَد معَهما عَهدًا، ولكنَّهما نَقَضَا عَهدَهما كعادةِ اليَهودِ، فأجْلاهما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنها.
وفي الحَديثِ: حُبُّ الصَّحابةِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومُسارَعَتُهم في رِضاه.
وفيه: حُسنُ خُلقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وطِيبُ شَمائلِه بمُكافَأتِه مَن بادَرَه بخَيرٍ، وقدَّمَ له جَميلًا.
وفيه: ردُّ العاريَّةِ والسَّلفِ بعْدَ الاستِغْناءِ عنها.