مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه577
مسند احمد
حدثنا حسين بن محمد، حدثنا شريك، عن جابر، عن خيثمة، عن أنس بن مالك قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم نعود زيد بن أرقم وهو يشتكي عينه، (3) فقال له: " يا زيد لو كان بصرك لما به، كيف كنت تصنع؟ " قال: إذا أصبر وأحتسب. قال: " إن كان بصرك لما به، ثم صبرت واحتسبت، لتلقين الله وليس لك ذنب "
الدُّنيا دارُ بَلاءٍ وامتِحانٍ، يَتَعَرَّضُ المَرءُ المُسلِمُ فيها لِلمَصائِبِ والأمراضِ، ولَكِن مِن رَحمةِ اللهِ تعالى أن جَعلَ كُلَّ ما يُصيبُ المُسلِمَ في الدُّنيا لَه فيه أجرٌ وكَفَّارةٌ، بَل جَعَلَ لمَن صَبَر واحتَسَبَ على فَقدِ عَينَيه الثَّوابَ العَظيمَ؛ يَقولُ زَيدُ بنُ أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عنه: أصابَني رَمَدٌ -وهو ورَمٌ حارٌّ يَعرِضُ في الطَّبَقةِ المُلتَحِمةِ مِنَ العَينِ، وهو بَياضُها الظَّاهرُ، وسَبَبُه انصِبابُ أحَدِ الأخلاطِ أو أبخِرةٍ تَصعَدُ مِنَ المَعِدةِ إلى الدِّماغِ، فإنِ اندَفعَ إلى العَينِ أحدَث الرَّمَدَ- فعادَني، أي: زارَني، النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فلَمَّا بَرَأتُ، أي: عوفيتُ مِن هذا المَرَضِ، خَرَجتُ، أي: إلى النَّاسِ وإلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرَأيتَ لَو كانت عَيناك لِمَا بِهما، أي: لَو ألَمَّ ونَزَلَ بِعَينَيك الضَّرَرُ أوِ العَمى أو أُصيبَتا بِسوءٍ، ما كُنتَ صانِعًا؟ أي: ماذا كُنتَ ستَصنَعُ عِندَ ذلك؟ فقال زَيدٌ: لَو كانتا عَينايَ لِمَا بِهما صَبَرتُ واحتَسَبتُ، أي: كُنتُ سَوف أصبِرُ وأحتَسِبُ، أي: أطلُبُ أجرَ ذلك مِنَ اللهِ تعالى، فقال لَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَو كانت عَيناك لِمَا بِهما، أي: مِنَ المَرَضِ، ثُمَّ صَبَرتَ واحتَسَبتَ لَلَقِيتَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ولا ذَنبَ لَك، أي: كان جَزاؤُك مُقابِلَ ذلك أنَّك تَلقى اللَّهَ يَومَ القيامةِ وقد غَفرَ اللهُ لَك جَميعَ ذُنوبِك. قال إسماعيلُ، وهو أحَدُ الرُّواةِ رَوى الحَديثَ بِلَفظِ: ثُمَّ صَبَرتَ واحتَسَبتَ لأوجَب اللَّهُ لك الجَنَّةَ، أي: استَحقَقتَ بِصَبرِك واحتِسابِك دُخولَ الجَنَّةِ.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ العيادةِ مِنَ الرَّمَدِ.
وفيه عيادةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِمَن مَرِضَ مِن أصحابِه.
وفيه فَضلُ وأجرُ مَن صَبَرَ واحتَسَبَ على مَرَضِه.