مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه830
مسند احمد
حدثنا وكيع، وابن جعفر يعني غندرا، قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم تصدق به على بريرة، فقال: " هو لها صدقة، وهو لنا هدية "
وفي هذا الحَديثِ تَحكي أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها أرادَتْ أنْ تَشتريَ بَريرةَ بِنتَ صَفوانَ رَضيَ اللهُ عنها لكي تُعتِقَها، وأرادَ مَوالِيها وساداتُها –قيل: كانتْ لِعُتبةَ بنِ أبي لَهَبٍ، وقيل: لِبَعضِ بَني هِلالٍ- أنْ يَشترِطوا على عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها أنْ يكونَ لهم وَلاؤُها بعْدَ عِتقِها، والولاءُ: هو ما يَحصُلُ بيْن المُعتِقِ والعَتيقِ نِسْبةً، أو شِبْهَ قَرابةٍ لأجْلِ العِتقِ، الَّذي هو تَحريرُ الرَّقَبةِ وتَخليصُها مِن الرِّقِّ، ويَحدُثُ بيْنهما الإرثُ إذا لم يَكُنْ للعَتيقِ وارثٌ، ويَصِيرُ العَتيقُ مِثلَ أحَدِ الأقارِبِ، فيُوالي مَن أعْتَقَه ويَنصُرُه، وقد كانتِ العرَبُ تَبيعُ هذا الحقَّ وتَهَبَه، فنَهى الشَّرعُ عنه؛ لأنَّ الوَلاءَ كالنَّسَبِ، فلا يَقبَلُ الزَّوالَ.
فبَيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعائِشةَ أنْ تَشتريَها على ما يَقصِدون مِن اشتراطِ كَونِ الوَلاءِ لهم، ولا تُبالي، سَواءٌ شَرَطوهُ أمْ لا؛ فإنَّه شَرْطٌ باطِلٌ، والوَلاءُ لِمَن أعتَقَ.
ثمَّ تَحكي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بلَحْمٍ تُصُدِّقَ به على بَريرةَ مَولاتِها، فأتَتْ يَومًا بشَيءٍ مِن ذلك اللَّحمِ الَّذي تُصُدِّق به عليها إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأعْطَتْه إيَّاه، فتَقبَّله منها؛ لأنَّه عليها صَدَقةٌ، وله هَديَّةٌ، فحَلَّ أكْلُه، وفي هذا دَلالةٌ على مَشروعيَّةِ الصَّدقةِ على مَوالي أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لكنْ بشَرْطِ ألَّا تكونَ السَّيِّدةُ هاشميَّةً، ولا مُطَّلبيةً، كزَينبَ بِنتِ جَحْشٍ؛ لِحَديثِ أبي داودَ والنَّسائيِّ: «إنَّ الصَّدقةَ لا تَحِلُّ لنا، وإنَّ مَولى القومِ منْهم».
وفي الحديثِ: أنَّ الوَلاءَ لمَن أعْتَقَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الصَّدقةِ على مَوالي زَوجاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.