مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 874

مسند احمد

مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 874

حدثنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رأيت في المنام أن رأسي قطع، فهو يتجحدل، وأنا أتبعه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها، فلا يقصها على أحد، وليستعذ بالله من الشيطان»

الرؤْيا الصالحةُ لها شأْنٌ عظيمٌ؛ فهي من أجزاءِ النُّبوَّةِ، وجعَلها اللهُ تعالى بُشْرى لِصاحبِها، أمَّا الحُلْمُ فهو من تخويفِ الشيطانِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "رؤْيا الصالحِ"، أي: ما يراه العبدُ الصالحُ في منامِه، "جزءٌ من سِتَّةٍ وأربعين جُزءًا من النُّبوَّةِ"، أي: إنَّ النُّبوَّةَ قد قُسِّمَت سِتًّا وأربعينَ جُزءًا، وجُعِلَتِ الرُّؤى جُزءًا من تلك الأجزاءِ. وورَد في روايات أخرى اختلاف في العددِ؛ فورد أنَّها جزءٌ مِن ستَّةٍ وخَمسينَ أو سِتِّينَ أو سَبعينَ؛ فقيل: اختَلفتِ الأعدادُ بحسَبِ الوقتِ الذي حدَّثَ فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك. وقيل: إنَّها تَختلِفُ باختِلافِ مَراتبِ الأشخاصِ في الكَمالِ والنَّقصِ وما بينَهما، وكُلَّما ازدادَ المؤمنُ صِدقًا اقترَبَ مِن صِفةِ الصِّدقِ في الرُّؤيا، والرُّؤيا الصالحةُ جُزءٌ مِن شَمائلِ الأنبياءِ والمرسَلينَ وفَضائِلِهم؛ فمَن اقْتَدَى بِهم فيها فَقدِ اتَّصفَ بما يُوصَف به الأنبياءُ، وكانتْ كَرامةً له مِن اللهِ تعالى؛ لأنَّ النُّبوَّةَ ليستْ مُكتَسَبةً، "وقال: الرُّؤْيا الصالحةُ"، أي: الرُّؤيا التي فيها بِشارةٌ بخيرٍ، أو تَحذيرٌ من شَرٍّ، أو تَنبيهٌ على أمرٍ، "من اللهِ"، أي: مِن فَضْلِه ورحمتِه، أو مِن إنذارِه وتبشيرِه، أو من تنبيهِهِ وإرشادِهِ، حيثُ يُطْلِعُ اللهُ النَّائمَ فيها على ما يجهلُهُ، "والحُلْمُ" وهو ما يراهُ النائمُ من مَكروهٍ، "من الشيطانِ"؛ لأنه يُوَسوِسُ للنَّاسِ بما يُحْزِنُهم في مَنامِهم أو يَتلاعَبُ بهم، "فإذا حَلَمَ أحدُكُم حُلمًا يخافُهُ"، أي: رأى ما يَسُوءُه في رُؤيتِه، "فلْيبصُقْ عن يَسارِه ثلاثَ مراتٍ"، أي: يتفُلُ عن يَسارِه، استِقذارًا للشيطان واحتِقارًا له، كما يَفعلُ الإنسانُ عندَ الشيءِ القَذِرِ يراهُ، "ولْيستعِذْ باللهِ من شرِّه"، أي: من شرِّ الشيطان؛ لأنَّه هو الذي يُخَيِّلُ إليه فيها، "فإنَّه لا يضرُّه"؛ لأنَّ ما ذُكر من التَّعوُّذِ وغيرِه سببٌ للسَّلامةِ من ذلك، ولا يُخبِرُ بها أحدًا كما جاء في صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إذا حَلَم أحدُكم فلا يُخبِرْ أحدًا بتَلعُّبِ الشَّيطانِ به في المنامِ"