مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 459
حدثنا حسين، حدثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، قال: قال عبد الله بن عباس: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنها، لا يعلمهن إلا نبي، فكان فيما سألوه أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة؟ قال: " فأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا فطال سقمه، فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه، ليحرمن أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، فكان أحب الطعام إليه، لحمان الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ " فقالوا: اللهم نعم
كان اليهود يسكنون المدينة عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فكانوا يأتونه ليجادلوه في بعثته ورسالته؛ حقدا وكراهية له
وفي هذا الحديث يروي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم"، أي: جاءت إليه لتسأله أسئلة اختبار، "فقالوا: يا أبا القاسم"، وهذه كنية النبي صلى الله عليه وسلم، "نسألك عن أشياء، إن أجبتنا فيها" جوابا صحيحا "اتبعناك، وصدقناك، وآمنا بك"، وذلك دليل على أنهم يعلمون الجواب الصحيح بما أوتوا من العلم في التوراة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فأخذ عليهم"، أي: النبي صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق، "ما أخذ إسرائيل على نفسه"، وإسرائيل هو نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وفي ذلك إشارة لقوله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93]؛ حيث نذر يعقوب أن يحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، وأقسم على ذلك إن شفاه الله من مرض ألم به، ثم أوفى لله بنذره، والمعنى أخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك أنهم سيوفون بذلك، ويؤمنون به إن أجابهم
"قالوا: الله على ما نقول وكيل"، فجعلوا الله وكيلا ومتكفلا بإنفاذ العهود والمواثيق، وأنهم سيصدقون، قالت اليهود: "أخبرنا عن علامة النبي"، أي: السمة والصفة المميزة له عن بقية البشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تنام عيناه، ولا ينام قلبه"، أي: إنه يدري ويعلم بما يحدث حوله حتى وإن كان في هيئة النوم؛ لأن قلبه دائما ما يكون ذاكرا لله، قالوا: "فأخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر؟" أي: كيف يكون المولود ذكرا أو أنثى؟ وما السبب فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يلتقي الماءان؛ فإن علا ماء المرأة ماء الرجل آنثت، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت"، أي: إن سبق مني الرجل مني المرأة أتيا بولد ذكر بإذن الله، وإذا سبق مني المرأة مني الرجل انعقد الولد منهما أنثى بإذن الله، قالوا: "صدقت، فأخبرنا عن الرعد ما هو؟" والرعد: صوت شديد يكون مصاحبا في العادة للمعان البرق، والمراد من سؤالهم عنه معرفة حقيقته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب"، أي: مسؤول عن السحاب وينفذ أمر الله فيه، "بيديه -أو في يده- مخراق"، أي: آلة يتحكم بها في السحاب، والمخراق في الأصل ثوب يلف بعضه فوق بعض، وتضرب به الغلمان بعضهم بعضا، "من نار"، أي: تلك المخاريق التي مع الملك مصنوعة من النار، "يزجر به السحاب"، أي: يسوق بها السحاب حيث شاء الله، "والصوت الذي يسمع منه زجره السحاب إذا زجره، حتى ينتهي إلى حيث أمره"، أي: ذلك الصوت هو صوت حركة السحاب إذا حركه الملك الموكل به، فلا يزال يصدر ذلك الصوت حتى يستقر به الملك في المكان الذي أمره الله أن ينتهي إليه
وفي تمام الرواية عند أحمد: "قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة، وهي التي نبايعك إن أخبرتنا بها، فإنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر؛ فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل عليه السلام، قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر، لكان. فأنزل الله عز وجل: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين} [البقرة: 97]"
وفي الحديث: بيان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أخبر بعلوم غيبية
وفيه: بيان إجابة غير المسلمين عن أسئلتهم؛ مظنة أن يؤمنوا