‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما182

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما182

حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره "

الإيمانُ بالقدَرِ خيرِه وشرِّه مِن شُروطِ صِحَّةِ الإيمانِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا يُؤمِنُ عبدٌ حتَّى يُؤمِنَ بالقدَرِ"، أي: لا يَصِحُّ إيمانُ عبدٍ، بل يَسقُطُ إيمانُه ما لم يُؤمِنْ بالقدَرِ، والقدَرُ هو ما قدَّره اللهُ على عِبادِه وقَضاه لهم، فهو ما اختاره اللهُ لكلِّ عبدٍ، وما شاءه له، "خيرِه وشرِّه"، أي: بخيرِ القدَرِ وشَرِّ القدَرِ، فالنِّعمةُ قدَرٌ، والبلاءُ قدرٌ، والفرَحُ قدَرٌ والحزنُ قدَرٌ، فكَما أنَّ القدَرَ يأتي بالخيرِ، فهو يأتي بالشَّرِّ أيضًا؛ "حتَّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَه لم يَكُنْ لِيُخطِئَه"، أي: ولا يصِحُّ إيمانُ عبدٍ حتَّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابه مِن القدَرِ سواءٌ بالنِّعمِ أو البلايا لم يَكُن لِيَحيدَ عنه أبدًا ولا لِيُجاوِزَه أبدًا، وأنَّ ما كتَبه اللهُ له أو عليه مِن النِّعمةِ أو البَلايا سوف يَراه لا مَحالة، ولا مَهرَب منه أبدًا، "وأنَّ ما أخطَأَه لم يَكُنْ لِيُصيبَه"، أي: وحتَّى يعلَمَ أيضًا أنَّ القدَرَ الَّذي لم يُصِبْه وتجاوزَه وتخطَّاه لم يَكُن له أن يُصيبَه أبدًا فما لَم يُكتَبْ له أو عليه لَن يأتِيَه أبدًا لا مَحالةَ؛ فلا فِرارَ مِن القدَرِ، ولا فِرارَ ممَّا قَضى اللهُ على عبدِه، سواءٌ كان خيرًا أو شرًّا.

وقد دلَّ القرآنُ الكريمُ والسُّنَّةُ الصَّحيحةُ على وُجوبِ الإيمانِ بالقدَرِ، وأنَّ الأمورَ تَجري بقدَرِ اللهِ تعالى، وعلى أنَّ اللهَ تعالى عَلِم الأشياءَ وقدَّرها في الأزَلِ، وأنَّها ستَقَعُ على وَفْقِ ما قدَّره اللهُ سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وإذا كان الإيمانُ بالأقدارِ مِن أصلِ الإيمانِ؛ فيَجِبُ الإيمانُ به. وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ ما كُتِبَ مِن القدَرِ لا مَفرَّ منه، سواءٌ في ذلك الخيرُ والشَّرُّ.