‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما225

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما225

حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، أن نوفا، وعبد الله بن عمرو، اجتمعا فقال نوف: فذكر الحديث فقال عبد الله بن عمرو بن العاصي: وأنا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم: صلينا (2) مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فعقب من عقب، ورجع من رجع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يثوب (3) الناس لصلاة العشاء، فجاء وقد حفزه النفس، رافعا إصبعه هكذا، وعقد تسعا وعشرين، وأشار بإصبعه السبابة إلى السماء، وهو يقول: " أبشروا معشر المسلمين، هذا ربكم عز وجل قد فتح بابا من أبواب السماء، يباهي بكم (4) الملائكة، يقول: يا (5) ملائكتي انظروا إلىعبادي (1) ، أدوا فريضة، وهم ينتظرون أخرى " (2)

الصَّلاةُ رُكنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، ولها فضْلٌ عظيمٌ ومَنزلةٌ عُليا بين العِباداتِ، وهي صِّلةٌ بين العبدِ وربِّه، وتَتكرَّرُ في اليومِ خمْسَ مرَّاتٍ، وقد رغَّبَ الشَّرعُ في نَوافلِها، ووضَّحَت السُّنَّةُ النَّبويَّةُ أنَّ اللهَ يُباهي ملائكتَه بعِبادِه المُصلِّينَ والَّذين ينتظِرونَ أوقاتَها.

 وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنهما ببعْضٍ مِن هذه المعاني، فيقولُ: "صَلَّينا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المغرِبَ، فرجَعَ مَن رجَعَ"، أي: رجَعَ البعضُ إلى بُيوتِهم، "وعقَّبَ مَن عقَّبَ"، أي: وانتظَرَ البعضُ في المسجِدِ بعدَ انتهاءِ الصَّلاةِ؛ انتظارًا لصلاةِ العِشاءِ، "فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُسرِعًا قد حفَزَه النَّفَسُ"، أي: أعجَلَه النَّفَسُ وتتابَعَت أنفاسُه، "وقد حسَرَ عن رُكبتَيْه"، أي: كشَفَ الثَّوبَ ورفَعَ عن رُكبتَيْه، فظهَرَتا؛ وذلك لسُرعَتِه في العَدْوِ والمشْيِ؛ لِمَا يحمِلُه مِن بُشْرى لهم، "فقال: أبْشِروا؛ هذا ربُّكم قد فتَحَ بابًا مِن أبوابِ السَّماءِ يُباهي بكم الملائكةَ"، أي: يُفاخِرُ بكم الملائكةَ، "يقولُ ربُّ العِزَّةِ: "انْظُروا إلى عِبادي قد قَضَوا فريضةً وهم ينتظِرونَ أُخرى" أي: إنَّ انْتظارَهم للفريضةِ بعدَ الفريضةِ في المسجِدِ سَببٌ لمُباهاةِ اللهِ ومُفاخرَتِه بهم لملائكتِه، وهذا دليل على فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة، وقد روَى مُسلِمٌ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصلاةِ، فذَلِكُم الرِّباطُ، فذلِكُم الرِّباط، فذَلِكم الرِّباط"؛ فجعَلَ انتظارَها مِن الرِّباطِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ مَن صلَّى صلاةً ثم جلَس ينتظرُ أُخرى، ودَاوَمَ على ذلك فقدِ استغرَقَ عُمرَه بالطاعةِ، وكان ذلك بمنزلةِ الرِّباطِ في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ.