مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 137
حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال:
سمعت عمر بن الخطاب يقول: فيم الرملان الآن، والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)
المسلِمُ الحقُّ يتَّبِعُ الكِتابَ والسُّنَّةَ الصَّحيحةَ؛ إيمانًا باللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ولا يَنتظِرُ أن يَفهَمَ الحِكمةَ والعِلَّةَ مِن بعضِ الأمورِ؛ لأنَّ الإيمانَ مَبنيٌّ على التَّسليمِ والتَّصديقِ واليقينِ بما جاء عن اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقد ضرَب الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ علَيهم أرْوَعَ الأمثلةِ في الاتِّباعِ وعدَمِ الابتداعِ.
وفي هذا الخبَرِ يقولُ عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنه: "فيمَ الرَّمَلانُ الآنَ؟!"، والرَّمَلانُ والرَّمَلُ الإسراعُ في المشيِ معَ تَقارُبِ الخُطى، ورمَلُ الطَّوافِ هو الَّذي شُرِع في عُمرَةِ القَضاءِ؛ لِيُرِيَ المشرِكينَ قوَّتَهم حين قالوا: وهَنَتْهم حُمَّى يَثرِبَ، وأمَّا السَّعيُ بينَ الصَّفا والمَرْوةِ فهي شِعارٌ قديمٌ مِن عهدِ إبراهيمَ؛ فالمرادُ بقولِ عُمرَ رمَلُ الطَّوافِ فقَط، "وقد أطَّأَ اللهُ الإسلامَ"، يَعْني: وقد ثبَّت اللهُ الإسلامَ، وأحكَمَه وأعَزَّ الإسلامَ وأهْلَه، "ونَفى الكُفْرَ وأهلَه"، أي: وطمَسَ الكُفرَ وأخْفَى أهلَه بنَصرِ الإسلامِ وأهلِه، وكأنَّه يقولُ: إنَّ العلَّةَ مِن الرَّمَلِ والجرْيِ في الطَّوافِ كانت لِيَرى المشرِكون قوَّةَ المسلِمينَ وعدَمَ ضعْفِهم، وقد أظهَر اللهُ الإسلامَ وقوَّى المسلِمين فلا حاجَةَ للرَّمَلِ في الطَّوافِ، ثمَّ استَدرَك الكلامَ فقال: "وايْمُ اللهِ، ما ندَعُ شيئًا كنَّا نَفعَلُه على عهْدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، يَعْني: إنَّما رمَل عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلًا مِن أجْلِ أن يُرِيَ المشرِكين في عُمرَةِ القضيَّةِ، ولكنَّه فعَلَه بعدَ ذلك؛ فنَحنُ نَفعَلُ ما فعَلَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولا نَترُكُه، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رَمَل في حِجَّةِ الوَداعِ، ورَمَل في عُمرَةِ الجِعْرانةِ؛ فهذا يَدُلُّ على مشروعيَّةِ الرَّمَلِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على اتِّباعِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ الصَّحيحةِ الثَّابتةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: أنَّ اتِّباعَ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ في التَّكاليفِ لا يتَوقَّفُ على سَببِ الحدوثِ،
أو مَعرفةِ العِلَّةِ والحِكمةِ منه.