مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 65
حدثنا يحيى، عن عبد الملك، حدثنا عبد الله مولى أسماء، قال: أرسلتني أسماء إلى ابن عمر: أنه بلغها أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال: أما ما ذكرت من صوم رجب، فكيف بمن يصوم الأبد؟ وأما ما ذكرت من العلم في الثوب، فإني سمعت عمر رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " (1)
نظَّمَ الشَّرعُ الكريمُ أُمورَ النَّاسِ في كلِّ شَيءٍ، ومِن ذلكَ تَنظيمُه لِأُمورِ المَلْبَسِ؛ فبيَّن ما يَحِلُّ وما لا يَحِلُّ لُبسُه، ففصَّلَ فيما يَجتمِعُ ويَفترَّقُ فيه النِّساءُ والرِّجالُ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن لَبِسَ الحَريرَ الخالِصَ في الدُّنيا لِغيرِ عُذرٍ، حُرِمَ منه يَومَ القيامةِ، وهذا فيه تَحذيرٌ شَديدٌ؛ لأنَّ الحريرَ هو لِباسُ أهلِ الجَنَّة،
فكأنَّ مَن لم يَلبَسْه في الآخرةِ فليْس مِن أهلِ الجَنَّةِ؛ إمَّا لِحرمانهِ مِنَ الجنَّةِ إنْ كان مُستحِلًّا لذلك،
أو لأنَّه يَدخُلُ الجنَّةَ، ولكنَّه يُحْرَمُ منه فيها.
وتَحريمُ لُبسِ الحريرِ الطَّبيعيِّ مَخصوصٌ بالرِّجالِ دونَ النِّساءِ؛ لِقيامِ دَلائلَ أُخرى ورَدتِ بها الرِّواياتُ الصَّحيحةُ تَدلُّ على جَوازِ لُبْسِ النِّساءِ للحريرِ، وعلى أنَّ الرِّجالَ يُسمَحُ لهم ببَعضِ الحريرِ في الثِّياب بما لا يُجاوِزُ عَرْضُه إصْبَعينِ إلى أربعِ أصابعَ تُتَّخذُ أعْلامًا وحاشيةً للثِّيابِ،
كما في الصَّحيحينِ، عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه: «نَهى نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن لُبسِ الحريرِ إلَّا مَوضِعَ إصبعينِ، أو ثَلاثٍ، أو أربعٍ».