الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته

بطاقات دعوية

الجماعة والفرقة وسبب ذلك ونتيجته

قال الله تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }

·   أخبر سبحانه أنه شرع لنا ما وصى به نوحا ، والذي أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم وما وصى به الثلاثة المذكورين .

·   هؤلاء هم أولو العزم المأخوذ عليهم الميثاق في قوله : {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم}.

·   قوله : { ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} جاء في حق محمد باسم الذي وبلفظ "الإيحاء"، وفي سائر الرسل بلفظ " الوصية ".

·   ثم قال : {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } وهذا تفسير الوصية والموحى، فالمشروع لنا هو الموصى به الرسل، والموحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو : { أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }.

·   الضمير في { أقيموا } عائد إلى الرسل وإلينا، فإن الذي شُرع لنا : هو الذي وصى به الرسل ، وهو الأمر بإقامة الدين والنهي عن التفرق فيه.

·   لما فصل بقوله : { والذي أوحينا إليك } بين قوله : { ما وصى به نوحا } وقوله : { وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى } أفاد:

1-  أنه شرع لنا الدين المشترك وهو الإسلام والإيمان العام والدين المختص بنا ؛ وهو الإسلام والإيمان الخاص.

2- أنه أمرنا بإقامة هذا الدين كله المشترك والمختص ونهانا عن التفرق فيه.

3- أنه أمر المرسلين بإقامة الدين المشترك ، ونهاهم عن التفرق فيه.

قال بعد ذلك : { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم}

·    فأخبر أن تفرقهم إنما كان بعد مجيء العلم الذي بين لهم ما يتقون ؛ فإن الله ما كان ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.

·   وأخبر أنهم ما تفرقوا إلا بغيا ، والبغي مجاوزة الحد، قال ابن عمر: " بغيا على الدنيا، وطلب ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضا على الدنيا، من بعد ما كانوا علماء الناس".

·   هذا بخلاف التفرق عن اجتهاد ليس في علم ، ولا قصد به البغي كتنازع العلماء السائغ.

·   البغي إما تضييع للحق ، وإما تعد للحد ؛ فهو إما ترك واجب ، وإما فعل محرم ؛ فعلم أن موجب التفرق هو ذلك، كما قال عن أهل الكتاب : { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذكروا به - وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به - كان سببًا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم.

·   هذا هو الواقع في أهل ملتنا مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها ، وكثير من فروعه من أهل الأصول والفروع ومثلما نجده بين العلماء وبين العُبَّاد ممن يغلب عليه الموسوية ( علم بلا عمل)، أو العيسوية ( عمل بلا علم)،  حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين اللتين قالت كل واحدة : ليست الأخرى على شيء.

·   البغي تارة يكون من بعضهم على بعض وتارة يكون في حقوق الله، وهما متلازمان ولهذا قال : { بغيا بينهم } فإن كل طائفة بغت على الأخرى ، فلم تعرف حقها الذي بأيديها ولم تكف عن العدوان عليها.

·   قال تعالى : { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة }

وقال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم } .

وقال تعالى : { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة } الآية وقال تعالى في موسى بن عمران مثل ذلك وقال : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات }

 وقال : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء }

 وقال : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } { منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين } { من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } لأن المشركين كل منهم يعبد إلها يهواه.

كما قال في الآية الأولى : { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه }

وقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون }.

·   فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما أمر به باطنا ، وظاهرا . وسبب الفرقة : ترك حظ مما أمر العبد به ، والبغي بينهم.

·   ونتيجة الجماعة : رحمة الله ، ورضوانه ، وصلواته ، وسعادة الدنيا والآخرة ، وبياض الوجوه . ونتيجة الفرقة : عذاب الله ، ولعنته ، وسواد الوجوه ، وبراءة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم.

·   هذا أحد الأدلة على أن الإجماع حجة قاطعة ، فإنهم إذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين ، فلا تكون طاعة الله ورحمته : بفعل لم يأمر الله به من اعتقاد ، أو قول ، أو عمل ، فلو كان القول ، أو العمل الذي اجتمعوا عليه لم يأمر الله به لم يكن ذلك طاعة لله، ولا سببا لرحمته.