المسألة 3
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، قال: حدثنا أمية بن خالد، قال: حدثنا شعبة، عن بسطام بن مسلم، عن عبد الله بن خليفة، عن عائذ بن عمرو، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فأعطاه، فلما وضع رجله على أسكفة الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تعلمون ما في المسألة، ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا»
الإسلامُ دِينُ العِفَّةِ وعِزَّةِ النَّفْسِ، وقدْ مدَحَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِه المساكينَ الذين لا يَسألون الناسَ إلحافًا، وأكَّد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك المعنى، حيثُ ذَمَّ السؤالَ والمسألةَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عائذُ بنُ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجُلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فسألَه فأعطاه"، أي: جاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وطلَب منه عَطاءً مِن مالٍ أو صَدقةٍ، "فلمَّا وضَع رِجلَه على أُسْكُفَّةِ البابِ"، أي: عتَبةِ البابِ السُّفْلى، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لو تَعلَمون ما في المسألةِ"، أي: ما في مَسألةِ البَشرِ للبَشرِ مِن شَرٍّ أو ما فيها مِن سُوءٍ، أو مَذلَّةٍ وعَدمِ عِفَّةٍ، "ما مَشى أحدٌ إلى أحدٍ يَسأَلُه شيئًا"، أي: ما سَعَى أحدٌ مِن البشَرِ لِيَطلُبَ مِن بشَرٍ مِثلِه شيئًا، وخاصَّةً إذا كانتْ حاجةً غيرَ ضروريَّةٍ، بل مِن بابِ الإلْحافِ والتَّزوُّدِ مِن أموالِ النَّاسِ؛ وهذا مِن التَّهويلِ والتَّشنيعِ لأمرِ مَسألةِ غيرِ اللهِ؛ لأنَّ فيها إذلالًا للنَّفسِ، وتَضييعًا للهَيبةِ، والمسلِمُ مأمورٌ بألَّا يُذِلَّ نفْسَه، واللهُ سبحانَه هو الخالِقُ والرَّازقُ والقادرُ على تَلبيةِ حاجاتِ عِبادِه، ولا يَعظُمُ عليه شَيءٌ
وهو الأَوْلَى بأنْ يُسأَلَ ويُطلَبَ منه كلُّ شَيءٍ، وهذا التَّوضيحُ مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِتَربيةِ المسلِمين على العِفَّةِ، والتَّوجُّهِ إلى اللهِ تعالَى في كلِّ أمورِهم وحاجاتِهم
وفي السُّننِ عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما يُوضِّحُ ما في المسألةِ مِن أثرٍ سيِّئٍ على صاحبِها، حيث قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن سألَ الناسَ وله ما يُغنِيه جاءَ يومَ القِيامةِ ومسألتُه في وجْهِه خُموشٌ، أو خُدوشٌ، أو كُدوحٌ"، ويُستثنَى مِن ذلك ذَكرَه رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقولِه- كما عندَ أبي داودَ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ: "إلَّا أنْ يَسألَ الرَّجُلُ سُلطانًا، أو في أمْرٍ لا بُدَّ منه