باب كتاب المغازي
بطاقات دعوية
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة ابن سعيد بن العاص وهو مدجج (**) لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى: أبو ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش. فحملت عليه بالعنزة، فطعنته فى عينه، فمات.
قال هشام: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلى عليه، ثم تمطأت، فكان الجهد أن نزعتها، وقد انثنى طرفاها.
قال عروة: فسأله إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه إياها، فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أخذها، ثم طلبها أبو بكر، فأعطاه، فلما قبض أبو بكر؛ سألها إياه عمر، فأعطاه إياها، فلما قبض عمر؛ أخذها، ثم طلبها عثمان منه، فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان؛ وقعت عند آل على، فطلبها عبد الله بن الزبير، فكانت عنده حتى قتل.
كان الزُّبيرُ بنُ العوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه مِن فُرْسانِ الإسْلامِ، ومِن أشْجَعِ الرِّجالِ، وله قدَمُ صِدقٍ في نُصْرةِ دينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وإعْلاءِ رايَتِه
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه قِصَّةَ قَتْلِه عُبَيْدةَ بنَ سَعيدِ بنِ العَاصِ -وكان مُحاربًا في صُفوفِ المُشْركينَ- الَّذي كان يُكْنَى أبا ذَاتِ الكَرِشِ، والكَرِشُ منَ الحَيَواناتِ بمَثابةِ المَعِدةِ منَ الإنْسانِ، وقيلَ: يُطلَقُ الكَرِشُ أيضًا على عيالِ الرَّجلِ، وعلى الجَماعةِ منَ النَّاسِ، وكان ذلك في غَزْوةِ بَدرٍ الكُبْرى في العامِ الثَّاني منَ الهِجْرةِ، وكان عُبَيدةُ مُدَجَّجًا، أي: مُغَطًّى بالسِّلاحِ، لا يَظهَرُ منه شَيءٌ سِوى عَينَيْه، فقال: أنا أبو ذَاتِ الكَرِشِ؛ مُفتَخِرًا بنفْسِه، مُرهِبًا الزُّبَيرَ رَضيَ اللهُ عنه، ولكنَّ الزُّبَيرَ رَضيَ اللهُ عنه لم يَخَفْه، وحمَلَ عليه بالعَنَزةِ -وهي الحَرْبةُ الصَّغيرةُ- وطعَنَه في عَينَيهِ، فماتَ، وأخَذَ الزُّبَيرُ يَنتَزِعُ الحَرْبةَ مِن عَيْنَيه، فوضَعَ رِجلَيْه عليه، وتمدَّدَ عليه، وهذا مَعْنى قولِه: «ثُمَّ تَمَطَّأْتُ»، وقد أصابَ الزُّبَيرَ رَضيَ اللهُ عنه جَهدٌ وتعَبٌ كي يَنزِعَ الحَرْبةَ منه، وقدِ انْثَنى طَرَفا الحَرْبةِ مِن شدَّةِ جَذبِه لها
ثُمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طلَبَ منه هذه الحَرْبةَ، فأعْطاها له الزُّبَيرُ على سَبيلِ العاريَّةِ، أي: السَّلفِ، فظَلَّتْ معَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى مات، فأخَذَها الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّه أعْطاها النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَلفًا، فهي له. ثمَّ إنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه طلَبَها منه أيضًا، فأعْطاه إيَّاها على سَبيلِ العاريَّةِ كما أخَذَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قَبلُ، ثمَّ لَمَّا مات أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه أخَذَها الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه كذلك. ثمَّ طلَبَها عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، فأخَذَها كما فعَل معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، حتَّى مات عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، فأخَذَها الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه
ثمَّ طلَبَها عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه، فأخَذَها، فلمَّا قُتِلَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه مَظْلومًا، وقَعَتْ عندَ آلِ عَليٍّ، أي: عندَ عَلِيٍّ نفْسِه، ثمَّ عندَ أوْلادِه، فطلَبَها عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما -وكان الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه قدِ استُشهِدَ في أيَّامِ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه- فأخَذَها، فكانت عندَه إلى أنْ قُتِلَ رَضيَ اللهُ عنه سنةَ سِتٍّ وثَلاثينَ منَ الهِجْرةِ. قيلَ: ولعَلَّ أخْذَهم لهذه الحَرْبةِ كان تَبرُّكًا بمَكانِها، مِن حيث إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قتَل بها عَدوًّا، ونصَر بها وَليًّا
وفي الحَديثِ: ذِكرُ شدَّةِ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنه، وقوَّةِ بَطشِه في سَبيلِ اللهِ