باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه 2
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر قال: بينما هو في الدار خائفا (وفي طريق أخرى عنه: لما أسلم عمر؛ اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبأ عمر! وأنا غلام فوق ظهر بيتي)؛ إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلة حبرة، وقصيص مكفوف (*) بحرير -وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية- فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني أن أسلمت. قال: لا سبيل إليك. بعد أن قالها (39) أمنت، فخرج العاص، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، [فقال: قد صبأ عمر، فما ذاك؟ فأنا له- جار]، قال: لا سبيل إليه. فكر الناس، [فقلت: من هذا الرجل؟ قال: العاص بن وائل].
لقدْ أعزَّ اللهُ الإسْلامَ بعُمَرَ بنِ الخطَّابِ، فأسلَمَ رَضيَ اللهُ عنه ولم يُخفِ إسْلامَه؛ بلْ أظْهَرَه بيْنَ قَومِه، في أشدِّ أوقاتِ ضعْفِ المُسلِمينَ وشِدَّةِ إيذاءِ المُشرِكينَ لهم.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه بيْنَما عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه في الدَّارِ خَائِفًا -وسيَأْتي بَيانُ سبَبِ خَوفِه- إذ جاءَه العاصِ بنُ وائِلٍ بنُ هاشِمِ بنِ سَعيدٍ السَّهْميُّ، وهو جاهِليٌّ أدرَكَ الإسْلامَ ولم يُسلِمْ، وهو والدُ الصَّحابيِّ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه، وكان على العاصِ «حُلَّةُ حِبَرةٍ»، أي: يَلبَسُ بُرْدًا مُزَيَّنًا وقَميصًا مَكْفوفًا مَخيطًا بحَريرٍ، ويُخبِرُ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ العاصَ بنَ وائلٍ مِن بَني سَهمٍ، «وهم حُلفاؤُنا في الجاهِليَّةِ»، مِن الحِلفِ، وهو المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ على التَّعاضُدِ، والتَّساعُدِ، والمُناصَرةِ، وكانوا يَتَحالَفونَ في الجاهِليَّةِ على الموالاةِ والنُّصرةِ، ويَتَوارَثونَ بذلك، فقال له العاصُ: «ما بالُكَ؟» أي: ما شأنُكَ، فأخبَرَه عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ قَومَه -قومَ العاصِ بنِ وائلٍ السَّهميِّ- زَعَموا أنَّهم سيَقْتُلونَه لأجْلِ إسْلامِه، وخَوفُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّه أسْلَمَ، وفعَل يومَ إسْلامِه ما كاد به المُشرِكينَ وغاظَهم؛ فلذلك تَواعَدوه بالقَتلِ. فقال له العاصِ: «لا سَبيلَ لهُم إليكَ»، يَعني: لا يَستَطيعُ أحدٌ أنْ يصِلَ إليكَ بمَكْروهٍ.
فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: بعْدَ أنْ قال العاصِ هذه الكلمةَ أَمِنْتُ، أي: زَالَ خَوْفي لقَولِ العاصِ؛ لأنَّه كان مُطاعًا في قَومِه.
فخرَجَ العاصِ فلَقيَ النَّاسَ قدِ امْتلأَ بهمُ الوادي، أي: وادي مكَّةَ، وإنَّما قال هذا لكَثرَتِهم وإسْراعِهم، فشَبَّهَهم بالسَّيلِ، فقال العاصُ: أين تُريدونَ؟ فقالوا: نُريدُ هذا ابنَ الخَطَّابِ الَّذي صَبأَ، أي: خرَجَ عن دِينِ آبائِه، قال العاصِ: لا سَبيلَ لكمْ إليه، فكَرَّ النَّاسُ، أي: رَجَعوا.
وفي الحَديثِ: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يَمنَعُ عَبدَه المُسلِمَ بما شاءَ، ويَجعَلُ صَوْنَه بيَدِ عَدوِّه، ويَرُدُّ عنه الأذى بمَكانِ خَصمِه.