باب أضاحي رسول الله ﷺ3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن أبي سلمة
عن عائشة أو عن (1) أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد - صلى الله عليه وسلم - (2)
الأضاحيُّ من شَعائِرِ الإسْلامِ، ومِن أعظَمِ القُرُباتِ إلى اللهِ بالذَّبْحِ، وفيها فضائِلُ مُتعدِّدةٌ، وهي من سُننِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المتأكِّدةِ على مَن كان عِندَهُ قُدْرةٌ أو سَعةٌ، والأُضحيةُ تكونُ من بَهيمةِ الأنْعامِ، ولها شُروطٌ لا بُدَّ من تَوافُرِها لإجْزائِها، وقد جاء بيانُ سُنَنِها وصِفاتِها في هذا الحَديثِ، حيثُ تقولُ عائِشةُ وأبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهما: "كانَ" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إذا أرادَ أنْ يُضحِّيَ"، أي: إذا نَوى أنْ يُقدِّمَ أُضحيةً يَومَ الأَضْحى في يَومِ العاشِرِ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ "اشْتَرى كَبشَينِ عَظيمَينِ، سَمينَينِ"، والكَبْشُ هو ذَكَرُ الضَّأنِ، وكان كُلُّ واحِدٍ مِنَ الكَبشَينِ يَتَّصِفُ بالسِّمَنِ، وتَكنُّزِ اللَّحمِ، وكِبَرِ الحَجْمِ، "أقْرَنَينِ" لِكُلِّ كَبشٍ قَرْنانِ، والقُرونُ تدُلُّ على القُوّةِ والصِّحَّةِ والخُلُوِّ من الأمْراضِ "أمْلَحَينِ" أبيَضَينِ، وقيلَ: الأملَحُ هو الأبيَضُ الخالِصُ البَياضُ، وقيلَ: هو الأبيَضُ ويشوبُهُ شَيءٌ من السَّوادِ، وقيلَ: هو الذي يُخالِطُ بياضَهُ حُمْرةٌ، وقيلَ: هو الأسوَدُ يَعْلوهُ حُمْرةٌ، وقيلَ: هو الذي فيه بَياضٌ وسَوادٌ والبَياضُ أكثَرُ، وقيلَ: هو الأبيَضُ الذي في خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقاتٌ سُودٌ، وقيلَ: هو المُتغيِّرُ الشَّعرُ بسَوادٍ وبَياضٍ. "مَوجوءَينِ" قد نُزِعُ منهما الخِصْيتانِ وعِرقُ الخُصوبةِ منهما حتى يكونَ ويُفعَلَ ذلك بالغَنَمِ؛ لِقطْعِ نَزْوِها، فتَسمَنَ ويَكثُرَ لَحْمُها "فذبَحَ أحَدَهما عن أُمَّتِهِ" بالنِّيابةِ عنهم حُبًّا لهم "لِمَن شَهِدَ للهِ بالتَّوحيدِ، وشَهِدَ له بالبَلاغِ"، أي: كانَ الذَّبحُ عن المُوحِّدينَ ومَن شَهِدوا له أنَّه رسولٌ من اللهِ سُبْحانَهُ "وذبَحَ الآخَرَ عن مُحمَّدٍ، وعن آلِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" بمَعْنى أنَّ النَّبيَّ جعَلَ الأُضحيةَ الواحِدةَ بالكَبشِ الواحِدِ مُجزِئًا عن آلِ البَيتِ الواحِدِ ذُكورِهِ وإناثِهِ والصَّغيرِ والكَبيرِ منهم، وقيلَ: بلِ المُرادُ اشتِراكُ أهْلِ البَيتِ الواحِدِ في الثَّوابِ.
وفي بَعضِ الرِّواياتِ أنَّه يقولُ في أحَدِهما: "اللَّهُمَّ تَقبَّلْ عن مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ، ويقولُ في الثَّاني: اللَّهُمَّ تَقبَّلْ عن أُمَّةِ مُحمَّدٍ أو عمَّنْ لم يُضَحِّ من أُمَّةِ مُحمَّدٍ".
وفي الحديثِ: دليلٌ على أنَّ أُمَّةَ النبيِّ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أمواتَهم وأحياءَهم قد نالَهم النَّفعُ والأجرُ بتَضحيتِه .