باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبى ليلى عن أبى بن كعب أن النبى -صلى الله عليه وسلم- كان عند أضاة بنى غفار فأتاه جبريل -صلى الله عليه وسلم- فقال إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف. قال « أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتى لا تطيق ذلك ». ثم أتاه ثانية فذكر نحو هذا حتى بلغ سبعة أحرف قال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا.
القرآن الكريم كلام الله سبحانه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يسر الله قراءته على الناس ليتدبروا آياته، ومن صور هذا التيسير والتوسيع أنه أجاز قراءته على سبعة أحرف، وعلى قراءات علمها لنبيه، وعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم، الذين نقلوا هذه القراءات إلى من بعدهم
وفي هذا الحديث يخبر أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند «أضاة بني غفار»، والأضاة: الماء المستنقع، قيل: هي مكان في مكة؛ لأن غفار قبيلة من كنانة، وموضعهم قريب من مكة، وقيل: موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بني غفار؛ لأنهم نزلوا عنده
فجاءه جبريل عليه السلام -وهو الملك الموكل بالوحي- فقال: »إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن» والمراد بها أمة الإجابة، »على حرف»، أي: على وجه واحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: »أسأل الله معافاته ومغفرته»، أي: أسأل الله تعالى تسهيله وتيسيره وغفرانه لهم، وسؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة لمخافة وقوع التقصير منهم فيما يلزمهم في القراءة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: »وإن أمتي لا تطيق ذلك»، أي: لا تطيق أن يتفقوا على حرف واحد لاختلاف لهجاتهم، فجمعهم على لهجة واحدة فيه مشقة عليهم، وفيه ثقل على لسانهم، ثم جاءه جبريل عليه السلام في المرة الثانية، وأخبره أن الله عز وجل يأمره أن يقرأ أمته القرآن على حرفين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال في المرة الأولى، ثم جاءه جبريل في المرة الثالثة وأخبره أن الله يأمره أن تقرأ أمة النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أحرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما قال في المرتين السابقتين، ثم جاءه جبريل عليه السلام في المرة الرابعة، فقال: «إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف»، فيقرأ كل بما يناسبه ويسهل عليه؛ «فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا» ووافقوا الصواب وكفاهم وأجزأهم، وقوله: «سبعة أحرف»، أي: نزل بسبعة أوجه، أو سبع لهجات، والمراد منها التسهيل والتيسير، وقيل: أنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد، وهذه الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي بحيث يغير كل أحد الكلمة بمرادفها في لغته، بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التخفيف والتيسير على أمته
وفيه: رحمة الله تعالى بعباده بأن خفف عنهم، وأنزل القرآن على سبعة أحرف