باب أيتهما اليد العليا

سنن النسائي

باب أيتهما اليد العليا

 أخبرنا يوسف بن عيسى، قال: أنبأنا الفضل بن موسى، قال: حدثنا يزيد وهو ابن زياد بن أبي الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق المحاربي، قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: " يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك، أدناك " مختصر

حَثَّ الإسلامُ على مكارمِ الأخلاقِ ونَهَى عن رَذائلِها، ومِن حُسنِ الأخلاقِ: النَّفقةُ والتَّصدُّقُ على الفُقراءِ، وصِلَةُ الأرحامِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ طارقُ بنُ عبدِ اللهِ المُحاربيُّ: "قدِمْنا المدينةَ"، أي: دخَلَ طارقٌ المدينةَ ومعه بَعضُ قومِه، وبيَّنَت الرِّوايةُ المُطوَّلةُ- كما عند الحاكمِ في المُستدرَكِ- أنَّهم لَمَّا ظهَرَ الإسلامُ، قَدِموا المدينةَ في ركْبٍ من الرَّبَذَةِ، فلقِيَهم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واشترى منهم جمَلًا، ثمَّ لمَّا كانوا من الغدِ دخَلوا المدينةَ، "فإذا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائمٌ على المِنبرِ يَخطُبُ النَّاسَ وهو يقولُ: يَدُ المُعطي العُلْيا"، أي: يَدُ المُنفِقِ هي الأعْلَى قدْرًا ومقامًا وأكْثرُ أجرًا من يَدِ الآخِذِ، ثمَّ رتَّبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أولوياتِ النَّفقةِ؛ فقال: "وابدَأْ بمَن تعولُ"، أي: ابدَأْ في الإنفاقِ بمَن يلزَمُك النَّفقةُ عليهم، فاكْفِهم ما يَحتاجونَه من قُوتٍ وكِسوةٍ، وهذا يَشمَلُ نَفقةَ نفْسِه وعِيالِه؛ لأنَّها مُنحصِرةٌ فيهم، "أُمَّك وأباك، وأخْتَك وأخاك، ثمَّ أدْناك أدْناكَ"، أي: الأقرَبَ فالأقربَ رحِمًا، وهذا الحديثُ مُختصَرٌ من روايةٍ طويلةٍ؛ فبيَّنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك فُروضَ الإنفاقِ وسُننَه وآدابَه؛ من إخراجِ الزَّكاةِ، والكَفَّاراتِ، ونَفقةِ البنينَ والآباءِ والزَّوجاتِ، وما كان مِثْلَ ذلك من النَّفقاتِ، ومن الإنفاقِ ما يكونُ سُنَّةً؛ مثْلُ الأضاحي، وغيرُ ذلك كثيرٌ، والتَّطوُّعُ كلُّه سُنَّةٌ ومرغوبٌ فيه
وقد وردَتِ الآثارُ الصَّحيحةُ في فَضْلِ الصَّدقاتِ والنَّفقاتِ، وفي تَرتيبِ الأيادي المُعطيةِ والآخِذةِ، ومُحصِّلةُ ذلك: أنَّ أعلى الأيدي هي: المُنفقةُ، ثمَّ المُتعفِّفةُ عن الأخْذِ، ثمَّ الآخِذةُ بغَيرِ سُؤالٍ، وأسفَلُ الأيادي: السَّائلةُ، والمانعةُ
وفي الحَديثِ: إشعارٌ بالتَّرفُّعِ والتَّعفُّفِ عن أخْذِ الصَّدقاتِ من النَّاسِ دونَ داعٍ
وفيه: بَيانُ فضْلِ الصَّدقةِ عن ظَهْرِ غِنًى وبما فَضَلَ من المالِ، وبعدَ استيفاءِ النَّفقاتِ الواجبةِ