باب {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون} 4
بطاقات دعوية
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما كان يوم أحد؛ هزم المشركون [هزيمة تعرف فيهم 7/ 226]، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أى عباد الله! أخراكم. فرجعت أولاهم، فاجتلدت (40) هى وأخراهم , فبصر حذيفة [بن اليمان]، فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أى عباد الله! أبى أبى. قال: قالت: فوالله ما احتجزوا (41) حتى قتلوه , فقال حذيفة: يغفر الله لكم. قال عروة: فوالله ما زالت فى حذيفة [منه 8/ 41] بقية [وفى رواية: منها بقية 4/ 232] خير حتى لحق بالله عز وجل , [قال: وقد كان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف 8/ 39].
(بصرت): علمت من البصيرة فى الأمر، و (أبصرت): من بصر العين، ويقال: بصرت وأبصرت واحد.
وقَعَتْ غَزْوةُ أُحُدٍ في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجْرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ مِن جِبالِ المَدينةِ، وكان يومُ أُحُدٍ يومَ بَلاءٍ على المُسلِمينَ، حيث قُتِلَ منهم مَن قُتِلَ، مِن خَيرِ أصْحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُتِلَ عدَدٌ كَبيرٌ، وقد ظهَرَت في هذه الغَزْوةِ مَعادِنُ النَّاسِ حَولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ تَرْوي أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ بِدايةَ المَعرَكةِ يومَ أُحُدٍ كانت لصالحِ المُسلِمينَ، فلمَّا نزَل الرُّماةُ عنِ الجَبَلِ وذَهَبوا لجَمعِ الغَنائمِ، صرَخ إبْليسُ -لعَنَه اللهُ- تَلْبيسًا على المُسلِمينَ وقال: يا عِبادَ اللهِ، أُخْراكُم، يَعني: احْتَرِزوا مِن جِهةِ أُخْراكُم، وهي كَلمةٌ تُقالُ لمَن يَخْشَى أنْ يُهاجَمَ عندَ القِتالِ مِن وَرائِه؛ فرجَعَتْ أُولاهم -يَعني مَن كانوا في المُقدِّمةِ- ليُقاتِلوا مَن كان في آخِرِهم، ظانِّينَ أنَّهم منَ المُشرِكينَ، فاختَلَطَ المُسلِمونَ بعضُهم ببعضٍ، واقتَتلَتْ مُقدِّمةُ المُسلِمينَ مع مَن كانوا منهم في المؤخِّرةِ خَطأً، دُونَ أنْ يُميِّزوا بعضَهم مِن بعضٍ، فرَأى حُذَيْفةُ بنُ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنهما أباهُ اليَمانَ وحَوْلَه جَماعةٌ منَ المُسلِمينَ يُقاتِلونَه دونَ أنْ يَعرِفوه، فنادى فيهم حُذَيْفةُ رَضيَ اللهُ عنه: يا عِبادَ اللهِ، إنَّه أَبِي، وإنَّه مُسلمٌ فلا تَقْتُلوه! ولكنَّهم ما احْتَجَزوا حتَّى قَتَلوه، يَعني: ما انْفَصَلوا، أو ما امْتَنَعوا عنه حتَّى مات، فقال حُذَيْفةُ رَضيَ اللهُ عنه مُعتَذِرًا عنهم: يَغفِرُ اللهُ لكم؛ لأنَّه كان يَعلَمُ أنَّهم لا يَعرِفونَه.
قال عُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ: فواللهِ ما زالَتْ في حُذَيْفةَ بَقيَّةُ خَيرٍ حتَّى لَحِقَ باللهِ عزَّ وجَلَّ، والمرادُ: أنَّه حصَل له خَيرٌ بقولِه للمُسلِمينَ الَّذين قَتَلوا أباه خَطأً: يَغفِرُ اللهُ لكم، واستمَرَّ ذلك الخَيرُ فيه إلى أنْ مات.
وفي الحَديثِ: مَنقَبةٌ للصَّحابيِّ حُذَيْفةَ بنِ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: شدَّةُ الكَربِ والهَولِ الَّذي وقَع فيه المُسلِمونَ يومَ أُحُدٍ.
وفيه: أنَّ الشَّيطانَ يَتَرصَّدُ الصَّالِحينَ في أعْمالِهم، فيَنبَغي الحَذَرُ مِن الوُقوعِ في حَبائلِه.