باب: إذا شرب فالأيمن أحق
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دارنا فاستسقى فحلبنا له شاة ثم شبته من ماء بئري هذه قال فأعطيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر عن يساره وعمر - رضي الله عنهما - وجاهه وأعرابي عن يمينه فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شربه قال عمر هذا أبو بكر يا رسول الله يريه إياه فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي وترك أبا بكر وعمر وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأيمنون الأيمنون الأيمنون قال أنس فهي سنة فهي سنة فهي سنة. (م 6/ 112
علَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه الخيرَ والهَدْيَ القَويمَ، ومِن ذلك البَدْءُ باليَمينِ في الأفعالِ الَّتي فيها اختيارٌ بيْن اليمينِ والشِّمالِ؛ فاليَمينُ جِهةٌ مُبارَكةٌ في مُسمَّاها؛ فأهلُ اليَمينِ همْ أهلُ الجنَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءهُمْ في دارِهم، فطَلَبَ أنْ يَشرَبَ، فحَلَبوا له شاةً، ثمَّ خلَطَ أنسٌ اللَّبَنَ بماءٍ مِن بِئرٍ في بَيتِهم، ثمَّ أعطاهُ له صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه عن يَسارِه، وعُمرُ رَضيَ اللهُ عنه أمامَهُ، وأعرابيٌّ -وهو مَن يَسكُنُ الصَّحراءَ مِن العرَبِ- عَن يَمينِه، فشَرِب صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا فرَغَ قال عمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: «هذا أبو بَكرٍ»، أيِ: أعْطِ فضْلَكَ يا رَسولَ اللهِ لأبي بَكرٍ، فأعطَى صلَّى الله عليه وسلَّم ما بَقيَ للأعرابيَّ.
ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الأيمَنُون الأيمَنون»، أيْ: إنَّهم مُقَدَّمون، «ألَا فيَمِّنوا» وهو أمرٌ بتَقديمِ مَن في جِهةِ اليمينِ، وهو تَأكيدٌ بعْدَ تَأكيدٍ. قال أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه: فهي -أي: البَدَاءةُ بالأيمَنِ- سُنَّةٌ، فهي سُنَّةٌ، فهي سُنَّةٌ، وكرَّرها ثَلاثًا بَيانًا لأهمِّيَّتِها، وتَأكيدًا على الأمرِ.
وفي حَديثِ البُخاريِّ مِن حَديثِ سَهْلِ بنِ سَعدٍ السَّاعديِّ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بشَرابٍ، فشَرِبَ منه وعن يَمينِه غُلامٌ -وهو ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما-، وعن يَسارِه الأشياخُ، فقال للغُلامِ: «أتَأذَنُ لي أنْ أُعطِيَ هؤلاء؟» فقال الغلامُ: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بنَصيبي منكَ أحدًا، قال: فتَلَّه -أي: وَضَعَه- رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في يَدِه. فاستَأذَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ابنَ عبَّاسٍ؛ لأنَّه عن يَمينِه، وهو الأحقُّ بالبَداءةِ، ولم يَستأذِنِ الأعرابيَّ في هذا الحديثِ في أنْ يُعطِيَ أبا بَكرٍ؛ ليَتألَّفَ الأعرابيَّ بذلك؛ لقُربِ عَهدِه بالإسلامِ، أو لئلَّا يَظُنَّ الأعرابيُّ به غَضاضةً منه، وتَقصيرًا في حقِّه مع أنَفةِ الجاهليَّةِ، وجَفاءِ الأعرابِ، وقدِ استَأذنَ ابنَ عبَّاسٍ بدَفْعِ الشَّرابِ للأشياخِ والكُبراءِ مِن آلِه وقَومِه؛ ثِقةً مِنه بطِيبِ نفْسِه باستئذانِه، ولاسْتِئلافِ الأشياخِ أيضًا بهذا الاستئِذانِ وتَعريفِ الحُكمِ -بأنَّه لا يُصرَفُ عنه إلَّا بإذنِه- لِمَن لم يكُنْ عَلِمَه منهم.
وأمَّا ما ورَدَ مِن نُصوصٍ في تَقديمِ الكبيرِ، فلا تَعارُضَ بيْنها وبيْن البَدْءِ باليمينِ؛ إذ تَقديمُ الكبيرِ يكونُ عندَ التَّساوي في جَميعِ الأوصافِ، فيُقدَّمُ الكبيرُ، كما لو تَساوَوا في المجلسِ بأنْ جَلَسوا على غيرِ تَرتيبٍ، فيُبدَأُ عندَها بالكبيرِ، أمَّا لو جَلَسوا مُرتَّبِين، فمَن على اليمينِ أَولى وأحقُّ مِن الكبيرِ.
وفي الحديثِ: أنَّ السُّنَّةَ لِمَن استَسْقَى أنْ يَسقيَ الَّذي عن يَمينِه، وإنْ كان الَّذي عن يَسارِه أفضَلَ ممَّن جلَسَ عن يَمينِه.