باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له، ونظر الأم أو زوجها لليتيم

بطاقات دعوية

باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له، ونظر الأم أو زوجها لليتيم

عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ليس له خادم، (ف) [قال لأبي طلحة: 

"التمس لي غلاما من غلمانكم، يخدمني حتى أخرج إلى خيبر 3/ 224] "، فاخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إن أنسا غلام كيس؛ فليخدمك. [فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: "اللهم! إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، [والهرم [وأرذل العمر 223/ 5]، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من [فتنة الدجال، و] فتنة المحيا والممات 7/ 159]، وضلع الدين، وغلبة الرجال"، ثم قدمنا خيبر [ليلا، وكان إذا أتى (وفي رواية: غزا 4/ 5) قوما بليل؛ لم يغر بهم حتى يصبح 73/ 5]، [وينظر، فإن سمع أذانا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم، قال: 1/ 151] [فصلينا عندها (وفي رواية: قريبا منها 5/ 73)
صلاة الغداة بغلس، ف [لما لم يسمع أذانا]، ركب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فاجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ (وفي طريق: وإن قدمي لتمس قدم) نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حسر (13) الإزار عن فخذه، حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما دخل القرية؛ [رفع
يديه، و] قال: "الله أكبر [الله أكبر]، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم {فساء صباح المنذرين}، (قالها ثلاثا) "، قال: وخرج القوم [يسعون في السكك 1/ 228] إلى أعمالهم، ف [لما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم -]، قالوا: محمد، [والله محمد] (وفي رواية: محمد والخميس، محمد والخميس) - قال عبد العزيز: وقال بعض أصحابنا: و (الخميس) يعني: الجيش-[فلجؤوا إلى الحصن 4/ 15] [يسعون 4/ 188] قال: فأصبناها عنوة 1/ 97 - 98] [فقتل النبي- صلى الله عليه وسلم - المقاتلة، وسبى الذرية]؛ [وكان في السبي صفية] [بنت حيي بن أخطب]، [وأصبنا حمرا، فطبخناها، فـ] [جاءه
جاء، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثالثة فقال: افنيت الخمر، فأمر مناديا، فنادى في الناس: "إن الله ورسوله ينهياكم عن لحوم الحمر الأهلية، [فإنها رجس] "، فأكفئت القدور [بما فيها 4/ 16] وإنها لتفور باللحم].
[فلما فتح الله علية الحصن، ذكر له جمال صفية، وقد قتل زوجها، وكانت عروسا]، أفجمع السبي، فجاء دحية، فقال: يا نبى الله- صلى الله عليه وسلم - أعطني جارية من السبي. قال: "اذهب فخذ جارية"، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا نبى الله! أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك. قال: "ادعوه بها"، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "خذ جارية من السبي غيرها"]، [فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه]، [قال: فأعتقها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتزوجها، فقال له ثابت: يا أبا حمزة! ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها".
[فخرج بها، حتى بلغنا سد (الصهباء) (14) حلت: (وفي طريق: جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل)]، [فبنى بها]، [فاصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - عروسا، فقال: "من كان عنده شيء؛ فليجىء به"، وبسط نطعا [صغيرا]، فجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن- قال: وأحسبه قد ذكر السويق- قال: فحاسوا حيسا]، [ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آذن من حولك"]، [فدعوت رجالا، فأكلوا]، [فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية]، (وفي طريق: قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاثا يبنى عليه بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم [وما كان فيها إلا أن 5/ 77] أمر [بلالا] بالأنطاع، [فبسطت]، فألقي فيها من التمر والأقط والسمن، فكانت وليمته، [ثم خرجنا إلى المدينة]، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه؛ فقالوا: إن حجبها (15) فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه، ومد الحجاب بينها وبين الناس 6/ 121، وفي طريق :

قال: فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحوي (16) لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، فسرنا)، [وأبوطلحة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، [وإني لرديف أبي طلحة 7/ 68]، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية مردفها على راحلته، فلما كانوا ببعض الطريق؛ عثرت الناقة، فصرع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمرأة، [فقلت: المرأة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها أمكم"]، وأن أبا طلحة قال: أحسب [قال 40/ 4]، اقتحم عن بعيره، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا نبي الله! جعلني الله فداءك، هل أصابك من شيء؛ قال: "لا، ولكن عليكم بالمرأة"، فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه، فقصد قصدها". فألقى ثوبه عليها، فقامت المرأة، فشد (وفي رواية: فشددت) لهما على راحلتهما، فركبا، فساروا 7/ 116]، [حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد، فقال: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، ثم نظر إلى المدينة، فقال:
" [إن إبراهيم حرم مكة، و 4/ 118] إني أحرم ما بين لابتيها، (وفي رواية: جبليها) بمثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم! بارك لهم [في مكيالهم، وبارك 22/ 3] في مدهم وصاعهم]، [اللهم! اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة 2/ 224] "، [حتى إذا كانوا بظهر المدينة، أو قال: أشرفوا على (وفي رواية: فلما دنا أو رأى) المدينة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون"، فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة]، قال: فخدمته في السفر والحضر [فوالله 46/ 8] ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟! ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا؟!

ضرَبَ لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَرْوَعَ الأمْثِلَةِ في حُسْنِ مُعامَلةِ المَوالي والخَدَمِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا قَدِمَ المدينةَ لم يكُنْ عندَه خادمٌ يَخدُمُه، فأخَذَ أبو طَلْحَةَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه رَبيبَه أنسَ بنَ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقال له: «إنَّ أَنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ» عاقِلٌ ذَكيٌّ، فاجْعَلْه خادِمًا لك، فقَبِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَسًا خادمًا له.
ويُخبِرُ أَنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه خدَمَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أحوالِه كلِّها؛ في السَّفَرِ والحَضَرِ، فما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأنسٍ لشَيءٍ صَنَعه: لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشَيءٍ لم يَصنَعْه: لِمَ لَمْ تصنَعْه هكذا؟ فما وبَّخَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على شَيءٍ لم يَفعَلْه ولم يَنتقِصْ مِن قَدْرِه، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «ما قال لي: أُفٍّ، قَطُّ» و«أُفٍّ» صَوْتٌ يَدُلُّ على التَّضجُّرِ، وذلك لِحُسنِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَأْفتِه وصَبْرِهِ، وحُسْنِ عِشْرَتِهِ.
وفي الحديثِ: خُلُقٌ عظيمٌ مِن جَميلِ أخلاقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو رَأْفَتُه ورَحمتُه بخادِمِه، وقد علَّم الدُّنيا الرَّحمةَ والشَّفَقَةَ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: تَطْييبُ خاطِرِ الخادِمِ بتَرْكِ مُعاتَبَتِهِ، وهذا في الأُمورِ المُتعلِّقةِ بالدُّنْيا.
وفيه: حُسْنُ الخُلُقِ في التَّعامُلِ مع مَنْ هم أَقَلُّ منَّا.