باب الإقامة على البكر والثيب 1

سنن ابن ماجه

باب الإقامة على البكر والثيب 1

حدثنا هناد بن السري، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن أيوب، عن أبي قلابةعن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن للثيب ثلاثا، وللبكر سبعا" (1).

ضَربَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَثلَ الأَعْلى في العَدلِ بيْنَ زَوجاتِه، وتَنظيمِه للعَلاقاتِ الأُسريَّةِ عندَ تعدُّدِ الزَّوجاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو بَكرِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَما تَزوَّجَ أُمَّ سَلَمةَ هندَ بنتَ أبي أُميَّةَ رَضيَ اللهُ عنها، وذلك بعْدَ أنْ ماتَ عنها زَوجُها أبو سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنه، فدَخَلَ عَليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبَنى بها، وبعْدَ أنْ قَضى معَها ثَلاثةَ أيَّامٍ، أَرادَ أنْ يَخرُجَ مِن بيتِها إلى بيتِ غيرِها مِن زَوْجاتِه، فأمسَكَتْ بثَوبِه ليُقيمَ عندَها، فبَيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُمِّ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها حقَّها في البَياتِ معَها، فَقال: «إنْ شِئتِ» الزِّيادةَ على الثَّلاثةِ أيَّامٍ «زِدتُكِ وحاسبْتُكِ بِه»، أي: بجَميعِ ما أقمْتُ عندَكِ بسَببِ تلك الزِّيادةِ، يَعني: أَزيدُ ويَأخُذُ باقي الأَزواجِ مِثلَ العددِ، ثُمَّ أخبَرَها أنَّ للزَّوجةِ البِكرِ -وهي الَّتي لم يَسبِقْ لها الزَّواجُ- سَبْعَ ليالٍ تُؤثَرُ بِها عن بَقيَّةِ أزْواجِه إذا دخَلَ بِها، وللثَّيِّبِ -وهي الَّتي سبَقَ لها الزَّواجُ- ثلاثةُ أيَّامٍ.
وفي حَديثٍ آخَرَ لمسلِمٍ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ تَزوَّجَ أمَّ سَلَمةَ، وأَصبحَتْ عِندَه، قالَ لها: «لَيس بكِ عَلى أَهلِكِ هَوانٌ»، يَعني: لا يَلحقُكِ هَوانٌ وَلا يَضيعُ مِن حقِّكِ شَيءٌ، بلْ تَأْخُذينَه كاملًا، وخيَّرَها بيْنَ أنْ يُقِيمَ عِندَها ثَلاثًا بِلا قَضاءٍ، وبيْنَ أنْ يُقيمَ عِندَها سَبْعًا ويَقضيَ لِباقي نِسائِه؛ لأنَّ في الثَّلاثِ مَزيَّةً بعَدمِ القَضاءِ، وفي السَّبعِ مَزيَّةٌ لَها بتَوالِيها وكَمالِ الأُنسِ فيها، فَقالتْ أُمُّ سَلَمةَ: «ثَلِّثْ»، فاخْتارتِ الثَّلاثَ؛ لكَونِها لا تُقضَى، وليَقرُبَ عَودُه إليها، فإنَّه يَطوفُ عَليهنَّ لَيلةً ليلةً ثُمَّ يَأْتيها، وَلو أَخذَتْ سَبعًا لا يأْتِيها إلَّا بعدَ أنْ يَقضيَ لأزْواجِه الأُخْرياتِ، فتَطولُ غَيبتُه عَنها.
وخُصَّتِ البِكرُ بالسَّبعِ لِمَا فيها مِنَ الحَياءِ، فتَحتاجُ إلى فَضْلِ إمْهالٍ وصَبْرٍ وتَأنٍّ ورِفقٍ، والنَّفسُ أيضًا تَميلُ إلى الإقامةِ معَها أكثَرَ، فيُواصِلُ الإقامةَ معَها إلى سَبعةِ أيَّامٍ، والثَّيِّبُ قدْ جَرَّبتِ الرِّجالَ، وهي أقَلُّ إلى المُؤانَسةِ، والنَّفسُ أيضًا أقلُّ تَعَلُّقًا بها مِنَ البِكرِ، إلَّا أنَّها مِنْ حيث استَجدَّتِ الصُّحبةُ أُكْرِمتْ بزِيادةِ المُواصَلةِ، وهي الثَّلاثُ، ثُمَّ بعْدَ ذلك يَشرَعُ في القَسْمِ، وسواءٌ أكان عندَه قبْلَها واحدةٌ، أوِ اثْنَتانِ، أو ثلاثٌ.
وفي الحَديثِ: استِحبابُ مُلاطَفةِ الأَهلِ والعيالِ وغَيرِهم.