باب الثناء الحسن2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن منصور، عن أبي وائل
عن عبد الله قال: قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت" (2)
المسلِمُ الحقُّ يُراعي جارَه، ويُؤدِّي له حقوقَه، وقد جعَل الشَّرعُ على إحسانِ الجِوَارِ أجرًا وفضلًا، وعلى الإساءةِ إثمًا ووِزرًا.
وفي هذا الحديثِ يَروِي عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ، أنَّه: "قال رجُلٌ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، كيفَ لي أنْ أعلمَ إذا أحسنتُ أو إذا أسأتُ؟، أي: كيف يَعلَمُ المرءُ أنَّه مُحسِنٌ أو مُسيءٌ في أفعالِه وأحوالِه في الدُّنيا، وما مِقياسُ ذلك؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذا سمعتَ جِيرانَك" أي: جميعَ الجِيرانِ أو مُعظمَهم؛ لعَدمِ اجتماعِهم على الضلالةِ أو الخَطأِ غالبًا، "يقولون: أنْ قد أحسنتَ، فقد أحسنتَ، وإذا سمعتَهم يقولون: قد أسأتَ، فقد أسأتَ"، أي: إذا قالوا وشَهِدوا أنَّك أحسنتَ أو أسأتَ في الأمرِ أو في دِينكَ وحَياتِكَ فقدْ وقَع عليك ما شَهِدوا لك به، وخاصَّةً المؤمنينَ منهم؛ لأنَّهُم شُهداءُ عَلى بعضِهم؛ وذلكَ لأنَّ الجِيرانَ هم أقرَبُ النَّاسِ إليكَ، وأوَّلُ مَن يقَعُ عليهم تعامُلاتُ المرءِ، فيَظهَرُ أثَرُ ما في قلبِه وما يَعتقِدُه في سُلوكِه معَهم، مع أنَّ الإحسانَ إلى الجيرانِ أَوصى به اللهُ سبحانه ورسولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال سُبحانَه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]. وفي الحديثِ المتَّفَقِ عليه قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما زال جبريلُ يُوصيني بالجارِ حتَّى ظنَنتُ أنَّه سيُورِّثُه".
بل ربَّما يَحبَطُ العمَلُ بسبَبِ أذيَّتِه لجيرانِه، كما ورَد عندَ أحمدَ مِن حديثِ أبي هُريرةَ رَضي اللهُ عنه قال: "قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صلاتِها وصِيامِها وصدَقَتِها، غير أنَّها تُؤذي جيرانَها بلِسانِها، قال: هي في النَّارِ، قال: يا رسولَ اللهِ، فإنَّ فلانةَ يُذكَرُ مِن قلَّةِ صيامِها وصدَقتِها وصلاتِها، وإنَّها تَصَدَّقُ بالأَثْوارِ مِن الأقِطِ، ولا تُؤذي جِيرانَها بلِسانِها، قال: هي في الجنَّةِ"(
وفي الحديث: بيانُ حِرصِ الناسِ والصحابةِ على معرفةِ ما ينفعُم في أمْرِ دِينِهم مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ، وإرشادِه لهم.
وفيه: بيانُ منزلةِ الجيرانِ وأنَّ شَهادتَهم مُعتَبرةٌ في الشهادةِ على حالِ بعضِهم.